Site icon IMLebanon

الماكينات تستكمل الإستعدادات ومخاوف تُهدِّد الإنتخابات

ما إن انتهت ورشة الإنتخابات البلدية حتى ساد انطباع راسخ لدى اللبنانيين وخصوصاً لدى المسؤولين بأنّ الانتخابات النيابية حاصلة لا محال، وأنه بات من الصعوبة في مكان تأجيل هذا الاستحقاق مرة ثالثة على الرغم من الأزمات الخانقة التي تعصف بالبلد وفي طليعتها استحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

اندفعت كلّ القوى والأحزاب السياسية في عملية التحضير المبكرة لطريقة خوض هذا الاستحقاق. وبدا أنّ التشكيك في إمكانية تأجيل حصول الانتخابات البلدية الذي ساد لفترة قصيرة قبل فتح الصناديق، إنما لم يؤدِّ غايته على رغم انخراط قوى أساسية في عملية التفاوض السرّي في الكواليس في محاولة لتجنّب هذا الاستحقاق.

وتردّد يومها أنّ المشكلة الأساس كانت في الجهة القادرة على تحمّل مسؤولية التأجيل والتبعات المترتبة على ذلك، وقيل إنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي وفي معرض «النقاش السرّي» الذي فُتح معه حول إمكانية التأجيل أجاب زائره المسؤول المهم بعصبية: «لا مشكلة لديّ في خوض الاستحقاق البلدي، أما إذا أردتم أنتم تأجيله فأعلنوا ذلك وتحمّلوا المسؤولية، ولكن لا تنتظروا مني أبداً أن أتحمّل مجدّداً وزرَ تأجيل هذا الاستحقاق بعدما تحمّلت سابقاً وزر التمديد للمجلس النيابي مرتين».

انطلاقاً من هذا الواقع، تبدو الإنتخابات النيابية حتمية، لا بل حاول الرئيس بري طرح إجرائها أواخر الصيف الجاري لتكون مبكرة في دلالة واضحة على حتمية حصولها، إلّا أنّ هذا الطرح الذي أخذ مساحة من النقاش الجدّي عاد وصُرف النظر عنه بسبب صعوبة الاتفاق على قانون جديد للإنتخاب، وبالتالي استحالة السير في إنتخابات مبكرة وفق القانون الحالي طالما أنّ الوقت لم يُستنفد كاملاً في محاولة للتفاهم الصعب على قانون جديد.

وانسجاماً مع هذا الواقع اندفعت الأحزاب والقوى السياسية في عملية تنظيم داخلي وورشة إصلاحات انسجاماً مع الدروس القاسية والمعبّرة للإنتخابات البلدية.

أولى هذه الورش الإصلاحية ظهرت لدى «حزب الله» الذي تستعدّ قيادته لإجراء تعيينات واسعة ومهمّة هي الأولى من نوعها منذ فترة بعيدة. بالتأكيد فإنّ لهذه التعيينات أسباباً كثيرة أخرى مهمة جداً تطاول السلوك والأداء كحزب يقاتل بشراسة في معارك صعبة ومكلفة في سوريا، ويشارك في بعض جوانب الحرب الدائرة في اليمن، ويراقب باستمرار مخاطر الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، ويتابع خطر الاستهدافات الأمنية في الداخل اللبناني.

وهذه التعيينات لا بدّ أن تحاكي كلّ هذه النقاط إضافة إلى جنوح بعض المسؤولين إلى السلوك «البورجوازي» الذي يستهوي المجتمعات اللبنانية عموماً. لكنّ توقيت هذه التعيينات قد يكون نضج بعد الاستحقاق البلدي والنتائج التي لم تكن على قدر الآمال في أماكن عدة.

«القوات اللبنانية» بدورها باشرت بطرح العديد من الأفكار والخطط بعد خيبات الأمل التي ظهرت خصوصاً في أقضية جبل لبنان المسيحي، حيث بدت أضعف الفرقاء. وبدا بالنسبة إلى قيادة «القوات» أنّ الهوّة كانت واسعة بينها وبين البلدات والقرى وهو الاستنتاج الأوّل الذي استخلصته من دروس البلدية.

لذلك تعتقد هذه القيادة أنّ خللاً عميقاً موجود لدى جهازها الإعلامي ما يستوجب إعادة النظر في طريقة تفعليه لجعله مؤثراً لدى الشارع المسيحي، مثل توحيد المؤسسات الإعلامية لجعلها أكثر قوة.

إضافة إلى استحداث خطاب جديد خصوصاً بعدما ظهر أنّ الخطاب المتّبع منذ «مصالحة معراب» لم يكن مقنعاً بما فيه الكفاية، خصوصاً أنّ الدكتور سمير جعجع متمسّك بخوض الانتخابات النيابية بلوائح موحّدة مع «التيار الوطني الحر» وبالتحالف مع الفريق السنّي.

من جهتها، تعمل قيادة «التيار الوطني الحر» على إعادة درس مكامن الخلل التي أدّت الى تشتت قوة «التيار» الناخبة في بعض المناطق لدرجة التفكك وكذلك السعي لدى العماد ميشال عون إلى إعادة تنظيم التركيبة والمسؤوليات مع الدخول العريض والمدوي للعميد شامل روكز على الخطّ في كسروان وجبيل.

كلّ ذلك يوحي بأنّ التحضيرات للاستحقاق النيابي بدأت بقوّة، والمضحك أنّ كلّ هذه التحضيرات والتصوّرات حول التحالفات تجرى على أساس خوض الانتخابات وفق القانون الحالي، على رغم أنّ هذه القوى بالذات تُكثر من المواقف الإعلامية الرافضة بالمطلق لقانون الستين.

ترفض في العلن، ترفع الصوت، تهدّد وتهوّل فيما هي تحضّر نفسها في الخفاء على أساس القانون الحالي. «إزدواجية المواقف» التي يتقنها المسؤولون اللبنانيون وتنطلي باستمرار على بعض اللبنانيين البسطاء.

وعلى رغم كلّ هذا الواقع الضاغط والحقيقي الذي يوحي بحتمية حصول الاستحقاق النيابي إلّا أنّ الواقع السياسي يفرض علينا الحذر والتروّي في استنتاجاتنا. فالاستحقاق البلدي لا يحمل مفاعيل سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة. هو ينتهي في دائرة الإنماء لا أكثر، على عكس الانتخابات النيابية التي تصيب التركيبة السياسية للسلطة في لبنان وبالتالي الإمساك بقرار الدولة اللبنانية.

ففي العام 2005 كان المطلوب من الاستحقاق النيابي أن يواكب مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان وتطويق «حزب الله»، لكنّ ظهور «تسونامي» ميشال عون المتحالف حديثاً مع «حزب الله» عدّل أجزاء أساسية من الخطة، وقيل يومها إنه لو نجح عون في الشمال كما حصل في جبل لبنان المسيحي أو حتى لو خسر النائب وليد جنبلاط في عاليه، فإنّ المراقبين الدوليين الذين كانوا يشرفون على العملية الانتخابية وعلى رأسهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر كانوا سيعلنون بطلان الإنتخابات بسبب تجاوزات حصلت. لكن مع نجاح الفريق الذي عُرف لاحقاً بفريق «14 آذار» باقتناص الغالبية مرّت العملية بسلام.

وفي العام 2009 كان المطلوب في المجلس النيابي تأمين توازنات دقيقة لا تسمح بالغلبة الكاملة لأيّ فريق من الفريقين المتنازعَين بعدما انشطرت البلاد بين «8 و14 آذار».

قبل بدء الإنتخابات حصلت تفاهمات في الكواليس مع سوريا عنوانها «دوزنة» هذه الانتخابات، بحيث ترك للمقترعين السنّة القادمين من سوريا الى قضاء زحلة الاقتراع بحرّية فيما منعوا من التوجّه إلى البقاع الغربي وهو ما أدّى فعلياً إلى خسارة إيران لهذه الإنتخابات وهو ما اعتبره النظام السوري مكسباً ضمنياً كونه يهدف لإبقاء قبضته وحده في لبنان، في مقابل منح الفريق الخاسر الثلث المعطل داخل مجلس الوزراء وإجراء مصالحة تاريخية مع الرئيس سعد الحريري من خلال زيارته إلى سوريا ومصافحته الرئيس بشار الأسد. يومها أيضاً اختار جنبلاط الانسحاب من «14 آذار» والوقوف في الوسط بين كتلتي «14 و8 آذار» بعدما قرأ في العمق الوظيفة المطلوبة من المجلس النيابي.

وعام 2013 كان من المستحيل التحكّم بنتائج الانتخابات ما يرفع من مخاطر تفلّت اللعبة وتفجير الوضع الداخلي في لبنان في حال خسارة أحد الفريقين بشكل كامل في وقت كان البركان السوري في ذروته والحسابات تتركز حوله، فالفائز هناك هو حكماً فائز في لبنان، فكان التأجيل الأوّل ثمّ الثاني.

أما اليوم فالصورة لم تختلف كثيراً، وإذا كان لا بدّ من حصول إنتخابات فالوظيفة التي يريدها الغرب هي إنتاج مجلس نواب متوازن شبيه بالحالي. فزمن الحلول في سوريا لم يدنُ بعد على الأقل حتى الآن. ما يعني أنّ إبقاءَ القديم على قدمه لا يزال مطلباً موجوداً، وهو ما يُعتبر أوّلَ حافز لاحتمال حصول تمديد ثالث.

أما الحافز الثاني فيتعلّق بإنتخابات رئاسة الجمهورية، وبعيداً من الجدل الداخلي الحاصل بين أولويّة إجراء الإنتخابات الرئاسية أو النيابية تبدو المسألة كأنها رست على استحالة حصول الانتخابات الرئاسية أولاً وفق المعطيات الداخلية والإقليمية الحالية. وإذا لم تطرأ تغييراتٌ على هذه المعطيات فإنّ المهمة التي يمكن إيكالها إلى الانتخابات النيابية هي خرق المراوحة الحاصلة والذهاب الى إنتخابات رئاسية.

لذلك اقترح الرئيس برّي خلال الجلسة ما قبل الأخيرة لطاولة الحوار برنامجاً يقضي بحصول الإنتخابات النيابية ومن ثمّ يعقد المجلس الجديد جلسة ينتخب خلالها رئيساً لمجلس النواب وأعضاء مكتب المجلس على أن يلي ذلك فوراً وفي الجلسة نفسها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، على أن تتعهّد كلّ القوى السياسية بذلك خطياً.

لكنّ الوزير جبران باسيل الذي أعلن موافقته، أضاف شرطاً بأن يكون رئيس الجمهورية هو الممثل الأول للشارع المسيحي، وهو ما يعني العودة إلى النقطة الحالية مع إضافة خطر استحالة تأليف حكومة جديدة، وبالتالي المزيد من اهتراء آلية عمل الدولة اللبنانية، بحيث يصبح الواقع الحالي أفضل من الذهاب الى مخاطرة غير مضمونة النتائج.

على رغم ذلك، لا يستطيع أحد أن يحسم مصير هذا الاستحقاق منذ الآن، خصوصاً أنّ التطورات الإقليمية مفتوحة على كلّ الاحتمالات. فموسكو وواشنطن لا تزالان تراهنان على برنامج شهر آب بالنسبة إلى سوريا على رغم العوائق الكبيرة الموجودة، وهذا سيؤثر مباشرة على لبنان.

والأهم قد يكون بوصول إدارة أميركية جديدة في الشتاء المقبل، ستحمل أسلوبَ عمل جديداً. وقد ترى هذه الإدارة «وظيفة» جديدة لمجلس نيابي جديد في لبنان خصوصاً أنّ موعد الإنتخابات يكون عادة أواخر فصل الربيع.