لم تعد الأزمةُ اللبنانية سياسيةً أو سلطويّة، بل تعدّت هذا الحدّ كثيراً وبات «الورمُ» يضرب الصيغة التي نشأ لبنان على أساسها من دون أن تتحرّك السلطة وتضع خطّة حلّ لها، فباتت مستعصيةً بسبب الإهمال والعجز والتقصير.
ليس الوقت الآن وقت توزيع إتّهامات أو تقاذف مسؤوليات، لكنّ اللعبة أصبحت أكبر من مسؤولي البلد بكثير نتيجة العجز السياسي على مدى 6 سنوات في طريقة التعاطي مع النزوح السوري الذي غزا المدن والبلدات. ويتحمّل الجميع المسؤولية، وإن كان بنسَب متفاوتة: مَن دعم النظام السوري وقاتل معه، ومَن وقف في وجهه ودعم «الثورة» المطالِبة بإسقاطه، الجميع يتحمّل قسطاً ممّا وصلت اليه الأوضاع.
كل ذلك والحكومات المتعاقبة منذ إندلاع الأزمة السورية في غيبوبة ولم تقدِم على أيّ خطوة لضبط النزوح، فيما إنبرى بعض الأطراف الى تشجيع النزوح وتوفير البيئة الحاضنة لبقاء النازحين ومعارضة أيّ إجراء يطاولهم على رغم بعض الممارسات التي هدّدت وما زالت تهدّد الأمن اللبناني.
مَن هجّرهم من أرضهم يتحمّل الذنب الأكبر، ومَن خاض معارك تشريع أبواب لبنان لإستقبالهم مذنبٌ أيضاً، وبعض الجهات التي تتمسك ببقائهم في لبنان يسألها الشعب لماذا لم تفتح هي قصورَها الفخمة وتضع أملاكَها في تصرّفهم لإيوائهم؟ ولماذا لم تُسكنهم معها في تلك القصور التي تتّسع لمئات لا بل لألوف العائلات النازحة؟ ولماذا لم تصرف من أموالها الخاصة لإطعامهم؟ وكم قبضت وتقبض وستقبض ثمنَ تمسّكها ببقائهم في لبنان؟
ويُطرح على الحكومات المتعاقبة ألف سؤال وسؤال، حيث يؤكد معظم الوزراء أن لا خطة موحَّدة للحكومة للتصدّي لهذه الأزمة، بل كل ما يصدر هو مواقف لا أكثر ولا أقل، حتى إنّ إحداث وزارة لشؤون النازحين هو دليل شؤم حسبما يؤكد البعض، فبعد الحرب اللبنانية تم إنشاءُ وزارة المهجرين، وبعد 27 عاماً ما زالت تعمل ولم تكتمل العودة الداخلية، فهل سيبقى النازحون 27 عاماً إضافية على أقل تقدير؟
والأخطر من كل هذا ما تكشفه مصادر أمنية وعسكرية لـ»الجمهورية» من رصد الإستخبارات عشرات المجموعات الإرهابية التي تحاول أن تتحرّك في المخيمات لتجرّ السوريين الى مواجهة مع الجيش اللبناني وتستعملهم دروعاً بشرية لأنشطتها الإرهابية.
وتكشف المعلومات، ونتيجة التعاون والتنسيق مع أجهزة إستخبارات عالمية، عن وضع عدد من المجموعات الإرهابية التي تتقهقر في العراق وسوريا دراسةً حول إمكان إستخدام مخيّمات النزوح في لبنان أرضيّةً لإستكمال أعمالها، خصوصاً أنّ حالات الفرار سُجِّلت لعدد من الارهابيين من دون معرفة وجهتهم. وقد وصلت هذه التقارير الى المسؤولين الكبار في الدولة، حيث أُعطي الضوءُ الأخضر للجيش وبقية الأجهزة لضرب الإرهابيين أينما وُجدوا، ولمنع إنتقال خطرهم الى اللبنانيبن والسوريين على حدٍّ سواء.
منذ عام 1948، تاريخ النكبة وتشريع أبواب لبنان أمام اللاجئين الفلسطينيين، وصولاً الى منتصف الستينيات، لم يقم الفلسطيني بأيّ عمل يُذكر يخلّ بالأمن اللبناني، لكن عندما بدأ كفاحُه المسلّح تحوّل لبنان وطناً بديلاً. وحالياً، السيناريو نفسُه يمكن أن يتكرّر إذا لم تجد الدولة اللبنانية حلّاً لأزمة النزوح، خصوصاً إذا بقي الرئيس بشار الأسد في السلطة، فمَن يضمن أن لا يستخدم هؤلاء النازحون الأراضي اللبنانية منطلقاً لعملهم مثلما إستعمل الفلسطينيون أرضَ لبنان منطلقاً للعمل الفدائي ضدّ إسرائيل قبل أن يوجّهوا بندقيّتهم الى الداخل؟ عندها ماذا يمنع النظام من أن يتدخّل عسكرياً بهدف ضرب المجموعات التي تهاجمه إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية؟
قد لا يصل الأمر الى هذا الحدّ من المواجهة العسكرية بسبب الغطاء الدولي الموضوع على لبنان، وضعف النظام السوري، لكن يجب وضع كل السيناريوهات.
ويبقى الخوف من مخطّط توطين النازحين أو استخدامهم لاحقاً في النزاعات اللبنانية، خصوصاً أنّ ثمّة تقارير تكشف عن وجود ماكينات إقتصادية وغجتماعية وإعلامية تتلطّى ببعض الجمعيات بغية تحقيق أهداف مشبوهة والانقضاض على الدولة اللبنانية، وهذه الماكينات لها تمويلها الخاص وتستخدِم النازحين من أجل الكسب المادي، ومن أجل ضرب البنية اللبنانية، وتعمل بنحوٍ منظّم عند وقوع أيّ حادث، ما يشكل خطراً يجب على الدولة التصدّي له والاستفاقة من غيبوبتها.