Site icon IMLebanon

إجابة… ولا جواب! 

 

لم يُصب النائب نهاد المشنوق بـ”الميغالومانيا” كحال الممارسين الجدد “للركمجة” على أمواج الحريرية سعياً للظهور، وسرعان ما يسقطون. فهذا الرجل الستيني ثقيل بخبرته السياسية والصحافية، ومن يعرفه يكتشف أن تلميذ شهيد الصحافة والصحافيين سليم اللوزي خبير في فكفكة نصوص الخطابات وأحرف التصريحات السياسية، ويقرأ بين سطورها حتى لو غطى دخان سيجاره الفواصل والنقاط، وبالتالي لا يصح السؤال: هل قرأ المشنوق أول أمس النص الرسمي والحرفي الذي وزّعه المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري بعد الدردشة مع الصحافيين؟

 

أعلن المشنوق طلاقه من كتلة “المستقبل”، وبعد خطابه في حفل التسليم والتسلم بينه وبين الوزيرة السابقة ريّا الحسن (شباط 2019)، استنتج المراقبون من المشنوق أن شعرة معاوية انقطعت مع الحريري، وقال حينها: “إختار الرئيس سعد الحريري تعييني وزيراً للداخلية في حكومتين، أولاً في حكومة الرئيس تمام سلام ثم في حكومة برئاسة دولته، ولا يسعني إلا التعبير له عن عميق امتناني لثقته، التي يقول لي البعض إنّها أصبحت ماضياً مضى، وأنا لا أريد أن أصدّق”. وانتقل بعدها إلى إجازة يعيد فيها تأمل التطورات.

 

مرت أشهر بعدها، ورفع المشنوق من حدة مواقفه تجاه الحريري وجزء منها تم تأسيسه على ما يرد في وسائل الإعلام، وصنع جمهوراً “مستقبلياً” واسعاً ضده، لكن في المقابل، لم يصوّب الحريري على المشنوق، لا بل “خرج من الحسابات”، وانحصرت الردود على الأخير بتعليقات على مواقع التواصل تم توظيفها في المنابر الإعلامية.

 

في 16 أيلول 2019، كنت قد سألت المشنوق عن علاقته بالرئيس الحريري، فكان الجواب: “أنا والحريري لن نلتقي سياسياً”، وعنونت مقالتي على هذه الاجابة.

 

وأول من امس، سألت الزميلة رواند بو خزام الحريري: “استمعت الى النائب المشنوق وكان في كلامه نوع من مد اليد لك من خلال دفاعه عنك؟”. أجاب: “لا أريد التعليق على مد اليد لأني أعتقد أني أكثر إنسان مد يده للجميع، وكنت أعمل بكل نية طيبة لإيصال البلد الى بر الأمان. والآن، هم استلموا الحكم، فعليهم أن يقوموا بذلك. إذا لم يكن في استطاعتهم، عليهم ان يقولوا ذلك، وإذا كانوا لا يملكون الإمكانات عليهم ان يقولوا ذلك أيضاً”.

 

من يدقق في اجابة الحريري، يجد أنها أكثر من طبيعية على قاعدة “أن المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين”، وأنه يتقن فن “الإجابة من دون جواب”، وأن ما قاله “حمال أوجه”: فهل أراد الحريري أن ينقل للمشنوق أن باب “بيت الوسط” مغلق؟ أو أن يقول أن “مد اليد” أساسه “الأفعال” لا “الاقوال”.. ومن بعدها يبنى على الشيء مقتضاه على قاعدة “لكل مقام مقال”؟

 

في المقابل، ثمة من يدقق في خلفيات كلام المشنوق وتوقيته، ويسأل “شو عدا ما بدا؟”. هل ادرك أن “تجريب المجرب” في استهداف سعد الحريري لن يصل به أو بغيره الى أي مكان، وأن كل المزايدات ومحاولات الاستهداف والإلغاء السياسي لم تغير حرفاً في الواقع الذي يفيد بأن الحريري “رقم صعب” في المعادلة الوطنية، سواء كان في السلطة أو خارجها، وأنه مرجعية ومظلة لكل من كان له دور في “الحريرية الوطنية”، في عهد تفوح منه إرادة الكيدية والتشفي والانتقام منها ومن أبنائها، ولو كانوا بعيدين عن “بيت الوسط”؟!

 

هذا غيض من فيض أسئلة كثيرة يطرحها الاعلام بعد كلام وزير الداخلية السابق، فهل قال المشنوق كلمته ومضى إلى ماضٍ لا يريد أن يصدق أنه مضى، أو أنه يجس نبض الرهان على مستقبل يرمم فيه الثقة مع الحريري، ويعود الى قواعده بأمان؟

 

بكل الأحوال، لا شيء مستحيلاً في السياسة، وتبقى “الأعمَال بالنِّيَّاتِ”.