IMLebanon

«ماكنزي»… لو حكت!

 

«الكنيسة القريبة لا تشفي» قالها النائب وائل ابو فاعور، حسب ما فهمنا، غامزاً من قناة الذين اوكلوا الى «ماكنزي» مهمة وضع خطة اقتصادية للنهوض بالبلد وانقاذه من الغرق – ونحن نقول، وانطلاقاً من قاعدة 6 و6 مكرر وحفاظاً على التوازن الطائفي الاقدس: «اهل مكة ادرى بشعابها».

ربما تساءلت «ماكنزي» عند توكيلها، لماذا يأتون الي ولديهم وفرة من اهل الاختصاص من اكاديميين وخبراء في شتى الميادين الاقتصادية، ولديهم المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي انشئ خصيصاً لمثل هذه المهمة ولديهم النقابات والجمعيات ومكاتب الدراسات والآف الخريجين من اهم الجامعات: L.B.S ، INSEAD وH.E.C، وHARVARD وM.I.T وI.E.، الخ…

وربما تتساءل «ماكنزي» وهي توّظف العشرات سنوياً من اللبنانيين خريجي هذه الجامعات، لماذا لا ينخرط هؤلاء الشباب والشابات في المؤسسات العامة وهم قادرون على انهاض كل بلدان العالم المتعثّرة وليس فقط لبنان.

كان من الاولى «لماكنزي» ان تقول للحكومة اللبنانية، من المعيب ان توكلوني كي اعلّمكم ما يجب ان تعملوا، وانتم لديكم هذه الطاقات الشابة الذكية الطموحة، الصادقة والمخلصة المتعلقة بوطنها.

احترموهم، وتوقفوا عن الكذب عليهم، وتبادل الشتائم والاتهامات امامهم، وتقاسم السلطة فوق رؤوسهم، ورهن مستقبلهم عبر إغراق البلد بالديون، اوكلوا اليهم مهمة الاصلاح بعيدا عن الطائفية والزبائنية والعشائرية، والمحاصصة وسياسة الفساد والإفساد. اتركوهم يعملون على تحقيق ما يحلمون به ولا تخنقوهم بعاداتكم واحقادكم وعدواتكم. هذا ما لم تقله «ماكنزي».

أما ما قالته فعلاً، فقد جاء في تقرير من الف صفحة واكثر. لكنها لو كتبت عشرات الآلاف من الصفحات، فلن تغير شيئاً فينا ما لم نغيّر ما في انفسنا.

من الغباء الاعتقاد ان ما نحتاجه هو مزيد من التقارير للنهوض من الكبوة التي نتخبط فيها. واكثر درجات الغباء هو الاعتقاد بان شركة اجنبية يمكنها انقاذنا.

لقد وضعت «ماكنزي» تقريرها بعد الاستماع الى اهل الاختصاص في شتى المجالات والكثير من هؤلاء سبق ان كتب الى المسؤولين ووضع خططاً لم تنفذ وربما لم يقرأها احد ، فهل ان افكار هؤلاء تصبح اكثر قيمة اذا رَوْتَشتها «ماكنزي»؟

في مطلق الاحوال، نحن في نقابة المستشفيات لن نكتفي بالانتقاد، فلدينا افكارنا ودراساتنا يمكن ان تشكل اساساً لخطة استراتيجية نضعها بتصرف الحكومة القادمة.

في دراسة تقييمية للقطاع الاستشفائي حالياً، نكشف ما يلي:

-1 مكامن القوة:

  • الاداء الجيد للمؤشرات الصحية الرئيسية مثالا على ذلك ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الولادة، وانخفاض معدل وفيات الامهات ومعدل وفيات الرضع.
    • مؤسسات اكاديمية وتعليمية عالية الاداء ومتقدمة يعود تاريخ بعضها الى اواسط القرن التاسع عشر.
    • نسبة عالية من الاطباء المؤهلين بالنسبة الى عدد السكان.
    • عدد كاف من المستشفيات والاسرة.
    • مرافق التكنولوجيا والمعدات الطبية المتقدمة قابلة للمقارنة مع المعايير الدولية.
    • التوزيع الجيد للرعاية الصحية الاولية.
    • ديناميكية القطاع الخاص.
    • الكلفة المتدنية للفاتورة الاستشفائية والتي لا تتعدى 450 دولار للفرد سنوياً.

-2 نقاط الضعف:

  • ارتفاع نسبة الانفاق الخاص Out of pocket spending
    • نقص في المعلومات، وغياب نظام معلوماتي.
    • هجرة الاختصاصيين في الرعاية الصحية لا سيما اصحاب الكفاءات العالية.
    • تقديم الرعاية الصحية يتمحور بشكل كبير حول الطبيب مع القليل من الرقابة والضوابط.
    • غياب التنسيق بين مقدمي الرعاية، والجهات الضامنة.
    • غياب التغطية الاجتماعية الرسمية الشاملة.
    • طب الطوارئ وعمليات النقل لا تكفي لاحتياجات السكان.
    • نقص في عدد الممرضات والممرضين.
    • التعرفات المنخفضة وغير المعدّلة لتتماشى مع التضخم وارتفاع التكاليف.

-3 الفرص المتاحة:

  • ارتفاع تكلفة العلاج في الدول الغربية ولائحة انتظار طويلة للعلاج.
    • الرعاية الطبية في عدد من البلدان المجاورة ليست على المستويات المطلوبة.
    • سوف يزداد الطلب على الرعاية الصحية، وخصوصا ً رعاية السكان المسنين.
    • بناء ثقافة القياس (قياس مؤشرات الاداء، قياس الجودة …).
    • وجود عدد كبير من خريجي الجامعات متخصصين في المعلوماتية يمكن ان يعملوا على تحسين وتطوير الرعاية الصحية مما يفتح افاقا جديدة ويساهم في خلق القدرات .

-4 التحديات:

  • الدول المنافسة في المنطقة – الاردن وتركيا.
    • الاستثمارات في رأس المال والتنمية البشرية والبنية التحتية في البلدان المجاورة.
    • تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان.
    • ضعف المساءلة على المستوى الوطني.
    • ارتفاع العجز العام الذي يحد من الانفاق على الصحة.
    • بنية تحتية مترّهلة تمنع استخدام التقنيات المتقدمة كما يجب ان تعتمد المستشفيات على نفسها لتأمين الخدمات العامة الاساسية (كهرباء، ماء …).
    • عدم السيطرة على العوامل الخارجية التي تؤثر على الصحة: النقل، النفايات، البيئة، التلوث…

بناء على هذا التحليل الاولي والموجز، يمكن وضع بعض التوجهات الاستراتيجية التي يمكن ان تدخل ضمن خطة استراتيجية تشمل جميع جوانب القطاع الصحي:

1- وضع خريطة صحية من اجل ترشيد الاستثمارات في القطاع الصحي ومنع الفوضى وتشجيع المستشفيات على اتباع التخصصية بهدف خلق مراكز متفوقة الجودة Centres of Excellence، وتحديد الاحتياجات الطبية كما الامكانيات المتاحة والمواءمة بينهما.

2- تعزيز الممارسات القائمة على الادلة (Evidence based) ووضع معايير لدواعي استعمال الخدمات الصحية، بالتعاون مع كافة الشركاء في نظام الرعاية الصحية وتوحيد المبادئ التوجيهية السريرية (clinical guidelines) وتحسين المساءلة وتحسين الابلاغ والتوثيق ووضع دراسات اكتوارية للكلفة.

3- بناء نظام معلوماتي لجمع المعلومات يساعد على تحديد الاولويات في القطاع الصحي ووضع لغة معلوماتية موحدة بين المستشفيات والجهات المعنية بالشأن الصحي والجهات الضامنة.

4- تحديد النواقص في الموارد البشرية والعمل على معالجتها بالتعاون مع الجامعات ووضع خطة للحد من هجرة العاملين في المهن الطبية المساعدة.

5- التعاون بين قطاعات الدولة المعنية والنقابات الصحية في تشجيع السياحة العلاجية وايجاد الاطر القانونية والعملانية والمادية لجعل لبنان مقصدا للعلاج من البلدان المجاورة ومن اللبنانيين المغتربين.

هذا ما نضعه في عهدة المسؤولين، دراسة صنعت في لبنان، واقعية، موضوعية وقابلة للتنفيذ، كما نشكر كل مسؤول قرأ هذا المقال من اوله الى آخره.