Site icon IMLebanon

فضيحة ماكنزي: إعادة إنتاج خطّة حكوميّة سابقة بـ1.3 مليون دولار!

فضيحة ماكنزي: إعادة إنتاج خطّة حكوميّة سابقة بـ1.3 مليون دولار!

 

الحكومة تكلّف شركة أميركية بتحديد خيارات الدولة

 

خيارات الدولة الاقتصادية هي خيارات سياسية بامتياز. رغم ذلك، قرر مجلس الوزراء تجيير هذه المهمّة الوطنية الى شركة أميركية خاصة، تتعرض لملاحقات قضائية في اماكن عدّة بتهم الفساد. هذه الشركة هي «ماكنزي»، التي ستتقاضى 1.3 مليون دولار من المال العام، من اجل «روتشة» دراسة سابقة وضعتها شركة مماثلة هي «بوز اند كومباني»!

 

 

وقّع وزير الاقتصاد والتجارة، رائد خوري، بتفويض من مجلس الوزراء، عقداً مع شركة «ماكنزي» بقيمة مليون و300 ألف دولار أميركي، لاعداد خطة اقتصادية للدولة!

هذه الخطّة ستعدّها «ماكنزي» عبر فريق يرأسه مدير قطاع المخاطر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مازن نجّار، الذي عمل سابقا مع شركة «بوز أند كومباني»، المعروفة راهناً باسم PWC Strategy، وأعدّ عام 2010 خطّة مماثلة لصالح الحكومة اللبنانيّة، لم يتم استخدامها كما سابقاتها من الدراسات.

 

اعترض بعض الوزراء على العقد الجديد، ولا سيما وزراء حزب الله، ليس بسبب الكلفة المرتفعة فحسب، ووجود خطط سابقة لم تكن مفيدة، بل ايضا بسبب تكليف شركة اجنبية خاصة بهذه المهمة، وهي لن تفعل شيئا سوى إعادة تقديم دراسة «بوز أند كومباني» بصيغة جديدة، لتُعرض بوصفها الخطّة الرسميّة للحكومة اللبنانيّة.

 

تبرير الوزير المكلف

 

لا ينكر الوزير خوري هذا الأمر. يقول لـ«الأخبار» إن «ماكنزي» ستعتمد على دراسة «بوز أند كومباني» بعد أن تجري لها «ريفرش» لـ«تتلاءم مع التطورات الاقتصاديّة والتكنولوجيّة الراهنة، وتحاكي الوقائع الناتجة عن الحرب السوريّة». وبرّر توقيع العقد مع هذه الشركة من دون إجراء أي مناقصة بأن «الدولة اللبنانيّة لم تضع رؤية اقتصاديّة واضحة يلتزم بها الكل. فيما المطلوب حالياً أن نتكلّم كلّنا بلغة اقتصاديّة واحدة، وأن نحدّد الهوية الاقتصاديّة التي نريدها للبنان». وعزا الاستعانة بشركة أجنبيّة للقيام بمهمة الادارة الحكومية والتعاون مع خبراء اقتصاديين لبنانيين إلى ان «ماكنزي» هي «جهة محايدة وليست طرفاً سياسياً داخلياً، وتمتلك الخبرات اللازمة لحل الأزمات نتيجة عملها في بلدان شبيهة للبنان، فضلاً عن الصدقية التي قد يكسبها لبنان أمام الجهات المانحة لوجود شركة عالميّة مساهمة في وضع خطته الاقتصاديّة.

 

 

وهذه المزايا لا يمكن اكتسابها في حال الاستعانة بخبراء محليين. مع العلم أن ماكنزي ستسهّل عمليّة وضع الخطّة، وستكون بمثابة العنصر الجامع لكلّ الأفرقاء لفتح حوار مع بعضنا البعض وتحديد التوجّه الاقتصادي».

يقلل خوري من اهمية الكلفة التي سيسددها اللبنانيون في مقابل «الروتوش» الذي ستضعها الشركة الأميركيّة على الخطّة السابقة بالقول ان هذه الكلفة «توازي عجز 3 ساعات من الكهرباء، وضرورية لملاءمة ما نتج من تطوّرات في السوق مع ما يمكن لقطاعات اقتصاديّة أن تمدّ الاقتصاد اللبناني به لخلق فرص عمل وتحقيق نمو في الناتج المحلي»!

 

ع السكين… يا خطط!

 

هذه الخطّة العتيدة ليست الأولى من نوعها، إذ تغصّ «جوارير» الدولة اللبنانيّة بعشرات الخطط غير المنفّذة. منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم، وُضعت خطط عدّة للإصلاح المالي والتحديث الاقتصادي وتطوير القطاعات. ففي مطلع التسعينيات من القرن الماضي تم تكليف شركة «بكتل» الاميركية بوضع خطة الاعمار، ووضع مجلس الانماء والاعمار العديد من الخطط التي نفّذت جزئيا وفقا لمصالح المتحكمين بالدولة. وفي العام 1995، وضع نديم المنلا (المستشار الاقتصادي الحالي لرئيس الحكومة) خطة هي عبارة عن سلسلة مشاريع استثماريّة في البنى التحتيّة أرفقت بمقدّمة الموازنة. وخلال حكومة الرئيس سليم الحص، أعدّ كلّ من شربل نحاس ومكرم صادر خطّة «الإصلاح المالي» التي ادخلت الحكومة حينها تعديلات جوهرية عليها من دون أن تنفّذها، كما تمّت الاستعانة بشركتي «مونينور» الأميركيّة و«ACE» للنائب روبير فاضل لوضع خطّة خمسيّة بإشراف الاقتصادي الأميركي مايكل بورتر، المُلقّب برائد الاستراتيجيات التنافسيّة، وأرفقت بفذلكة موازنة عام 2000.

 

 

خوري: بعد انجاز

الخطة سنباشر

بمشروع تجريبي قد يكون منطقة اقتصاديّة حرّة

وخلال العام 2003، أعدّ مجلس الإنماء والإعمار خطّة «ترتيب الأراضي اللبنانيّة» التي فنّدت المزايا الاقتصاديّة لكلّ المناطق اللبنانيّة. وفي 2006، أعدّ مجلس الإنماء والإعمار ونحّاس ودار الهندسة خطّة استثماريّة بحسب الأولويات القطاعيّة. ونشر المجلس الاقتصادي الاجتماعي (الذي أعيد تفعيله مؤخراً) عام 2007 خطّة «نهوض لبنان» التي وضعتها مجموعة من الخبراء الاقتصاديين اللبنانيين من مختلف التوجّهات الاقتصاديّة وتتضمّن سياسات وأوراق عمل لكل القطاعات. أمّا آخر الخطط، فأعدّتها شركة «بوز أند كومباني» عام 2010، وهي التي سيُعاد تقديمها بوصفها خطّة «ماكنزي» المُنتظرة!

 

من هالك لمالك… لـ«قبّاض الخطط»

 

في حكومة سعد الحريري الأولى التي تشكّلت عام 2009، وبعد تعيين وزير المال الأسبق جهاد أزعور مديراً إقليمياً في شركة «بوز أند كومباني»، كُلّفت الأخيرة، من دون علم الحكومة، بإعداد خطّة اقتصاديّة للبنان تنسجم مع «شعار» البيان الوزاري حول مطابقة «أولويات الناس مع أولويات الحكومة». يروي وزير الاتصالات حينذاك شربل نحّاس مجريات إعداد الخطّة، مشيراً إلى أن «أزعور شكّل فريقا قام بجولة على الوزارات لاستطلاع أولوياتها والمشاريع التي تنوي تنفيذها، من دون تقديم نسخة عن العقد، أو تقديم ما يثبت صفتهم القانونيّة، فرفضت إمدادهم بأي معلومات.

 

إلّا أن الخطّة عُرضت على مجلس الوزراء بعد الإنتهاء منها لتغطية تكاليفها، وهو ما ولّد إشكاليّة في الحكومة يومها، اذ جرى رفض دفع الأتعاب المُستحقة للشركة، كون العقد الموقّع معها لم يعرض علينا وكذلك الخطّة التي أعدّت، فاضطر فريق الحريري للبحث عن مصدر تمويلي آخر غير الخزينة العامّة».

ترفض «بوز أند كومباني» التعليق على قيام شركة أخرى بإعادة استخدام الخطّة التي أعدّتها، زاعمة أن «الخطّة باتت قديمة ولا تملك نسخاً عنها، ولا حتى أي معلومات حولها أو عن الحيثيات التي رافقت إعدادها وامتناع الحكومة اللبنانيّة عن دفع مستحقاتها، فضلاً عن أسماء أعضاء الفريق الذي أجراها»، وطُلب من «الأخبار» التواصل مع أزعور «علّه يستطيع إطلاعنا على هذه المعلومات»! وهو ما رفضه الأخير، كونه اصبح محكوما بوظيفته الحالية كمدير للشرق الاوسط وشمال افريقيا في صندوق النقد الدولي.

أمّا شركة «ماكنزي» فاعتذرت عن عدم الإفصاح عن تفاصيل الخطّة التي تقوم بإعدادها «التزاماً بسريّة العقد الموقّع مع الحكومة اللبنانيّة»، والذي يشكّل خرقاً لـ« قانون حق الوصول إلى المعلومات» الصادر مؤخراً، وتناقضاً مع مبدأ الشفافيّة التي أريد إضفاؤها عند إقراره على العقود التي تجريها الدولة اللبنانيّة.

 

 

تهدف الخطّة إلى وضع هويّة اقتصاديّة للدولة اللبنانيّة

وتحديد القطاعات ذات القيمة التفضيليّة

شركة تضع خيارات الدولة!

 

تهدف الخطّة العتيدة إلى «وضع هويّة اقتصاديّة للدولة اللبنانيّة وتحديد القطاعات التي يملك لبنان فيها قيمة تفضيليّة، لتتمكّن الدولة من وضع خطّة لكلّ قطاع لاحقاً، «وهي عمليّة تستلزم ستة أشهر»، وفق خوري، باعتبار أن «افتقار لبنان لخطط دفع باقتصاده نحو نموذج ريعي يكتفي باستقطاب رؤوس الأموال لتمويل دين الدولة، وهي حالة غير صحيّة على المدى الطويل، كون المطلوب هو استقطاب رؤوس الأموال وتوظيفها في قطاعات خاصة ومصانع متخصّصة لتحقيق نمو في الناتج المحلي وخلق فرص عمل». وتابع خوري: «سنباشر بمشروع تجريبي (Pilot) قد يكون منطقة اقتصاديّة حرّة، بعد إنجاز الخطّة، لاكتساب ثقة المجتمع الدولي والشعب اللبناني مجدّداً، واستقطاب الاستثمارات».

«الهويّة الاقتصاديّة للبنان» معروفة، بحسب خوري، فهو «ليبرالي حرّ كما حدّد الدستور»، لكن المطلوب هو «الخروج من إطار هذا العنوان الكبير نحو إطار عمليّ وتحديد التصوّر المستقبلي لصيغتنا الاقتصاديّة بما يعيد حضور الدولة ويخرجها من منطق الاتكال على القطاع الخاصّ. هذه الخطّة ستحدّد اذا كان لبنان يمكن ان يشكل نموذجاً عن دبي كمركز حاضن للشركات الخارجيّة أو شبيهاً بألمانيا التي تعدُّ مركزاً للصناعات الثقيلة، أو بلداً وسيطاً مثل سنغافورة التي تعتمد في اقتصادها على الخدمات والسياحة والمصارف والصناعات الخفيفة. والنموذج الأخير هو ما نطمح إليه صراحة».

اذا، يحسم خوري الخيارات سلفا، وهي خيارات سياسية بامتياز، وليست تقنية، وبالتالي، يثير كلامه المزيد من علامات الاستفهام، فاذا كانت التوجهات محسومة، برأيه، فلماذا تكليف شركة «ماكنزي»؟

 

 

يختصر خوري الإصلاحات القطاعيّة الواجب تطبيقها بـ«إصدار قانون مكافحة الاحتكار (هيثم الموسوي)

يقول خوري «اننا لا نمتلك نظرة لكيفيّة تطوير الصناعة والزراعة بوصفها من القطاعات المُنتجة بما يقلّص من أثار النموذج الريعي والاحتكارات القائمة»، معتبراً ذلك «مجرّد شعارات». وبدلاً من ذلك، يعدّد مجموعة من القطاعات الثانويّة، يرى أن «لبنان يملك قيمة تفضيليّة فيها مثل الخدمات الاستشفائيّة، الصناعات الزراعيّة، الألبسة الفاخرة أو المتوسطة السعر والتي تفتح مجالاً لننافس بالعلامة الفارقة والأساليب التسويقيّة لا بالكمية، فضلاً عن الخدمات التسويقيّة التي يمكن تقديمها للدول المجاورة»، على أن تحدّد «ماكنزي»، حسبما يقول، «القطاعات الثانويّة المفترض العمل عليها للانتقال نحو اقتصاد مُنتج، وبصورة واقعيّة بعيداً من النظريات، فنحن لا قدرة لنا لأن نكون دولة صناعيّة كألمانيا، فقوّتنا تتبلور بتصنيع ما يمكننا تسويقه». ويختصر خوري الإصلاحات القطاعيّة الواجب تطبيقها بـ«إصدار قانون مكافحة الاحتكار للقضاء على الطبيعة الاحتكاريّة للأعمال في لبنان، فضلاً عن فرض تدابير حمائيّة لتحصين المنتج المحلي من المنتجات المستورد».

 

ضحايا «ماكنزي»

 

 

تحوم شبهات الفساد حول عمل «ماكنزي» في بلدان عدّة، ففي كانون الأوّل الماضي أصدرت المحكمة العليا في بريتوريا (جنوب أفريقيا) قراراً يقضي بتجميد نحو 130 مليون دولار حصلت عليها الشركة مقابل تقديم استشارات لمصلحة الطاقة في جنوب أفريقيا (أسكوم)، بعد أن تبيّن خلال التحقيقات في قضايا فساد فتحها البرلمان، أن الأموال حوّلت من «أسكوم» إلى شركة «تريليان» المملوكة من الأشقاء غوبتا (مقرّبين من الرئيس جاكوب زوما) وشريكة «ماكنزي»، كوسيلة لتأمين العقد.

أيضاً، ارتبط اسم الشركة بمشاريع «فاشلة»، وفق ما ورد في كتاب «The Firm» لداف ماكدونالد، كون نصائحها الاستشاريّة أدّت إلى إفلاس الخطوط السويسريّة عام 2001، وكذلك حصل مع كلّ من شركات «إنزون» و«جنرال موتورز» وبنك «مورغن». ومؤخراً شاركت الشركة في وضع «رؤية السعوديّة 2030» بهدف النهوض باقتصاد المملكة وإيجاد مصادر دخل جديدة وخصخصة قطاع النفط، وهي الخطّة التي أثارت انتقادات كثيرة وتخوّفات من تخلّي السعوديّة عن أصولها النفطيّة والاستثمار بخطط استراتيجيّة غير مضمونة!

هذا الوقائع تردّ عليها «ماكنزي» بأنها «تقدّم الاستشارات لعملائها، وتوفّر لهم تحليلات مستقلّة وتوصيات، يمكنهم أخذها بالاعتبار عند اتخاذ القرارات الخاصّة بهم». وتقول مصادر في الشركة لـ«الأخبار» إن «تقديم أفضل الخبرات الفنيّة التي اكتسبناها من عملنا الممتدّ لما يقارب القرن (تأسست عام 1926)، أدّى إلى حصولنا على عقود مع أكثر من 3500 عميل، و90 من أكبر 100 شركة عالميّة، و80 من أكبر 100 شركة أميركيّة. والدليل على ذلك العلاقات الطويلة الأمد مع عملائنا بحيث أن 80% من عملنا هو مع عملاء حاليين، و70% مع عملاء لمدّة 10 سنوات، و30% مع عملاء لتقديم خدمات لأكثر من 20 سنة».