المهم ألا يتوهّم حسان دياب أن المسيو إيمانويل ماكرون نزل إلى المرفأ وإلى الجميزة من أجل جمع المعطيات من أجل تصحيح معلومات وزير خارجيته جان إيف لودريان، الذي اتهمه رئيس الحكومة اللبنانية بأنه تنقصه المعلومات حول إصلاحات الحكومة.
لكن دياب قد يوهم نفسه بأنه صحّح لماكرون المعلومات التي تنقص الديبلوماسية والمخابرات وجيش الأصدقاء الذين تشاورهم باريس من كل الأطياف السياسية، تلك المعلومات التي جاء بها لودريان ثم عاد بمعلومات ملغومة إلى باريس. لكن ماكرون قال إنه اكتشف بأن الشعب لم يجد الإصلاحات التي تحدث عنها دياب.
قد يعتقد رئيس الحكومة أيضاً أن ماكرون قصد حين تحدث عن ضرورة “التغيير السياسي” الذي أشار إليه في الجميزة هو أن يبقى هو رئيساً للحكومة وقائداً لمسيرة التصحيح المالي مع مستشاريه ليتمكن من إكمال تنفيذ الثلاثة بالمئة من الإصلاحات التي أنجزها.
قد يكون ماكرون جاء ليصحح معلوماته ويقاطع تلك المعلومات عما قاله له المواطنون الذين التقاهم في الجميزة ومار مخايل ضد رجال الحكم والرؤساء، ليبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بما سمعه عنه وعن الطبقة السياسية، من الناس، وعن تحوله إلى موقع خلافي وموضوع للانقسام، يرفض لقاءه نصف الفرقاء السياسيين، ولذلك تمكن هو من جمعهم بدلاً منه. بدا أن معلومات ماكرون تفوق ما يعرفه بعض المسؤولين عن أنفسهم لشدة حالة الإنكار وإدارة الظهر التي يعيشون فيها، وأنه لهذا السبب لن يعطي فلساً واحداً من المساعدات التي حملها معه وستحملها الطائرات والسفن القادمة، إلى الدولة والحكومة والرئاسات والصناديق المشبوهة والوزارات التي ينخرها الفساد وتعشش فيها السرقة.
ظهر ماكرون أنه قادر على أن يكون موضع ترحيب في الشارع حيث لا يجرؤ المسؤولون والرؤساء.
حين يردد ماكرون كلمات مثل “الحقيقة” و”الصراحة” و”الصدق” وأنه حرص على مخاطبة المسؤولين بها… لا يعني ذلك سوى الإيحاء بأن من يتولون المسؤولية غير موثوق بهم، يكذبون ويناورون ويداورون ولا يفعلون ما يقولون.
لكن الأهم والأكثر أهمية أن ماكرون قال إنه ليس “ساذجاً”. مثلما أنه يقصد بذلك أنه لا أوهام لديه حول دور “حزب الله” في الأزمة التي يعيشها لبنان، قد ينطبق هذا النفي على المسرحية الاستعراضية التي توخت استغباء الرئيس الفرنسي من شخصية باتت منبوذة على الصعيد الوطني وفي أندية الديبلوماسية. فماكرون ليس ساذجاً إلى الحد الذي يجعله يصدق ما طالبه به جبران باسيل “بإقرار الإصلاحات الدستورية”. فالأخير قلب الآية. سرّب معلومات عما ادعى أنه قاله لماكرون داعياً إياه إلى تحقيق ما قام ويقوم هو بإعاقته منذ سنوات، وتلح باريس على أن ينفذه اللبنانيون. فهل يعقل أن تكون حال الإنكار والرياء لدى رئيس “التيار الحر” بلغت درجة دعوة ماكرون إلى المساعدة في “إجراء الإصلاحات القانونية والإدارية والاقتصادية التي طال انتظارها”؟ وهو مثل دياب يوهم نفسه أمام المرآة بأن ماكرون لا يعرف من يعيق الإصلاحات.
أطلقت زيارة الرئيس الفرنسي بالأمس مرحلة سياسية جديدة في لبنان، في الإطار الإقليمي والدولي، على أنقاض دمار بيروت بات فيها المجتمع الدولي معنياً أكثر من السابق بمصير البلد الذي يحتاج أهله إلى أن يختاروا كيف يواكبونها.