IMLebanon

لبنان ماكرون و”لبنان الآخر”

 

“تكرار الكوارث معلّم” يقول المثل الاميركي. لكن التكرار مهلك، ان فشلنا في تعلّم اي درس من الكوارث، واتكلنا على التعاطف الانساني الطبيعي مع بلد منكوب. ولبنان منكوب، لا فقط بكارثة الانفجار الرهيب في المرفأ الذي أحرق بيروت، بل ايضاً وقبل ذلك بسلطة مافيوية تعيش على الكوارث وتوظفها في حساباتها السياسية. وهو يحتاج الى معالجة النكبتين معاً: النكبة الاقتصادية والاجتماعية بمساعدات تعيد بناء ما تهدم، والنكبة الوطنية والسياسية باجراءات تنقذ الوطن والشعب من تحكم المافيا السياسية والمالية والميليشيوية.

 

وهذه هي “الرسالة” الفرنسية والاوروبية والاميركية والعربية التي برزت في زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون الشعبية المكثفة والرسمية المقننة الى بيروت. المساعدات الانسانية متدفقة من معظم الدول، والباقي يتوقف على خريطة الطريق التي رسمها الرئيس الفرنسي: القضاء على الفساد يقود الى الاصلاحات التي تؤدي الى المساعدات الانقاذية، والمسار كله يتوقف على “تغيير النظام السياسي”، والوقت قصير للاختبار، حيث يعود ماكرون الى بيروت لتقييم الوضع في الاول من ايلول، الذكرى المئة لإعلان الجنرال غورو قيام “لبنان الكبير”.

 

لكن السلطة تراهن على العكس وتمارسه على المكشوف حتى عندما تضطر للتحايل كما فعلت حيال الثورة الشعبية السلمية التي احرجتها. فالقضاء على الفساد يعني كشف التركيبة السياسية كلها، وانهاء السطو على المال العام والخاص بالألعاب القانونية كما بتجاوز القوانين. والاصلاح يقطع “رزقها”. وتغيير النظام السياسي يعني “الانتحار السياسي”.

 

زيارة ماكرون اعادت تذكيرنا، وسط اليأس الكامل، بان نافذة الفرصة العربية والدولية لا تزال مفتوحة امام لبنان الذي خسر دوره ويكاد يخسر نفسه. لكن الممسكين بالبلد يعيدون تذكيرنا ايضاً باننا صرنا في “لبنان آخر”، وان لبنان الذي نحتفل بمئويته صار من التاريخ. ومقابل دعوة بكركي الى الحياد بالمعنى القانوني وحديث آخرين عن الحياد الايجابي او اقله النأي بالنفس عن صراعات المحاور، يقال لنا بصراحة اننا جبهة امامية في صراع المحاور، وان الوقت فات على اعادة لبنان من “محور الممانعة” بقيادة ايران الى موقعه الطبيعي العربي.

 

لكن من الصعب الهرب من تعلم ثلاثة دروس من كارثة المرفأ. الاول، وسط مشهد الخراب، هو تصور حال لبنان اذا قادتنا حسابات العدو الاسرائيلي او حسابات “حزب الله” الاقليمية الى حرب. والثاني ان لبنان، بتركيبته الاجتماعية، لا يستطيع ان يقلد ايران. والثالث اننا محكومون بسلطة مهترئة لا تعرف ما في لبنان من اسلحة ومواد شديدة الانفجار، تتحكم بها قوة فولاذية.

 

وقديماً قال ايشلوس: “في وقت ما سيزول الألم وتأتي الحكمة”.