IMLebanon

ماكرون يخصص وقتاً وازناً للأزمة.. وإرتياح لبناني لشخصيته ولآليات عمله

 

عين لبنانية على الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي بإعتباره محطة تحوّل مؤثرة

 

أعاد انفجار المرفأ لبنان الى صلب الاهتمام الدولي، بعدما تُرك قدراً من الوقت للإهمال وللحصار اللذين دفع اللبنانيون ثمنهما، كل ذلك نتيجة خيارات سياسية داخلية وخارجية أخذتهم عنوة الى حيث لا يريدون ولا يرغبون.

 

من نتائج هذه العودة الدولية، الزحمة السياسية والاستخبارية التي تحيط به من كل صوب وحدب، مع توقع زيادة ملحوظة في القادم من الايام نتيجة تزاحم عدد من العواصم على تثبيت الحضور او تعزيز الدور، أو حتى إستعادة أمجاد غابرة.

 

وكان لافتا في هذا السياق المسارعة التركية من باب مقارعة الحضور الفرنسي الرئاسي، ربما على خلفية الدور الذي لعبته باريس بداية هذا القرن في إسقاط المشروع العثماني زمن السلطنة ووراثة دورها الإقليمي.

 

وكان الرئيس الفرنسي قد حذّر مرارا من الدور التركي في المنطقة من طرابلس الغرب الى طرابلس الشام، مع قلق من تكرار السيناريو الليبي في لبنان.

 

ولا تُخفى في هذا السياق رغبة أنقرة تعزيز حضورها اللبناني من باب الرغبة في تلزيمها إعادة بناء مرفأ بيروت وفق عقود تتيح لها إستثماره لمدة تصل الى 25 عاما، في مقابل رغبة فرنسا في أن تكون لشركاتها اليد الطولى في تطوير المرفأ وتحديثه.

 

ولئن لا تزال باريس تقبض على إدارة الحوار الداخلي، بالتفويض الدولي- الأميركي المعروف، لفت المراقبين الوقت الذي يخصصه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للشأن اللبناني عبر التواصل المطّرد، واليومي في أحيان كثيرة، مع مسؤولين أضحوا من أصدقائه. وجعله ذلك، بالطبع الى جانب التقارير الديبلوماسية والإستخبارية التي تصله يوميا، على إحاطة بمجمل مندرجات الأزمة وبمفاصل الحلول المقترحة.

 

عدم التشبه إلى ما بعد الاتفاق قد يضع لبنان خارج ما يرسم للمنطقة

 

ولا يفوت ماكرون الغوص مع الذين يتواصل معهم بشكل مطّرد، في بروفايلات عدد من المسؤولين، مع قدرة لافتة على وضع التوصيفات الصحيحة والدقيقة لكل منهم، مفصلا مزاياهم وهنّاتهم، بين من هو مجتهد ودينامي وبين من هو كسول وقاصر وفاسد وسارق، مع تقريع شديد لأحد المسؤولين! كما لا يفوته التعليق على تفاصيل داخلية سياسية وإقتصادية وإجتماعية وحتى شخصية، قد تبدو للوهلة جزئيات غير ذات قيمة مقارنة بكامل المشهد. وهذا الواقع دليل على الجدية التي يتعاطى بها الرجل مع الأزمة، وهو الراغب في تحقيق إختراق مبين، من جهة ليقي لبنان تداعيات إستمرار أزماته وتعقيداته وإتصاله السلبي بأزمات المنطقة، ومن جهة أخرى ليحقق نصرا للديبلوماسية الفرنسية يتيح له العودة الى المتوسط من الباب اللبناني الواسع، بعد تراجع في الدور وضمور في الحضور السياسي، وحتى الفرنكوفوني.

 

ويأمل ماكرون، الذي حدّث مبادرته الأخيرة في قصر الصنوبر من صيغة وحدة وطنية الى صيغة توافق وإنقاذ، أن يحقق إجماعا على تشكيل الحكومة، لإدراكه أن هذا الإجماع هو الكفيل في أن تصفي القوى السياسية النوايا، وفي أن تقر الإصلاحات الملحة الاقتصادية والمالية والسياسية، وهي في مقدمة الشروط التي تتيح للمجتمع الدولي الإنخراط في ورشة الإنقاذ اللبناني.

 

ويظهر على من تواصل مع الرئيس الفرنسي إرتياح لافت للمقاربة التي وضعها لحل الأزمة، كما لشخصية الرجل وقدرته على الدفاع عن فكرة يطرحها للنقاش ومقارعة الحجة بالحجة، الإليزيه وتنسف نواياه.

 

مع ذلك يعوّل كثر من المسؤولين على شخصيته الدينامية وآليات العمل التي يعتمدها من أجل تحقيق الإختراق المُراد تحقيقه، والذي من شأنه تشكيل مقومات صلبة ومستدامة للمظلة الدولية الانقاذية، والحامية للكيان، لكن من غير أن يعني هذا التعويل إغفالا لعوامل خارجية كثيرة إقليمية ودولية قد تعرقل جهود سيد الإليزيه أو تحد من إندفاعته. إذ ثمة من المسؤولين من بات يرى ضرورة الاخذ في الاعتبار العامل الجديد المتمثل في الاتفاق الإماراتي– الإسرائيلي، بإعتباره مستجدا وطارئا يؤسس لإنعطافة حادة في المنطقة، تشبه الى حد كبير الاتفاقات المماثلة التي حملت الى الإقليم تغييرات جذرية منذ كامب ديفيد الى برشلونة وأوسلو ووادي عربة وغيرها من محطات التفاوض العربي– الإسرائيلي، وهي في أغلبها تركت ندوبا لبنانية من الحرب الأهلية الى إقتصاد الديون الموعود بالسلام– الوهم، وفي كلا الحالين دفع اللبنانيون ولا يزالون، أثمانا باهظة في تكوين بلدهم السياسي والاقتصادي.

 

لذا يعتقد هؤلاء المسؤولون بضرورة التنبّه الى دقة مرحلة ما بعد الاتفاق، بصرف النظر عما يقال عن انه مناورة أميركية لمساعدة الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية. ذلك أن أي إهمال في مقاربة هذا الاتفاق، وتاليا في فهم وإستيعاب المرحلة اللاحقة له، قد يضع لبنان خارج ما يُرسم للمنطقة، وتاليا على هامش التسويات المعمول لها وعليها، وهو امر لا يحتمل لا نتائجه ولا التبعات.