كلّ الاستعدادات الرسمية أُنجِزَت لإستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. بلغت أعمال الإغاثة مداها، واطمأنّ ضحايا تفجير المرفأ الى مصيرهم. تمّ التحقيق بنجاح مُنقطع النظير في مُسبّبات الإنفجار بعد تمديد مهلة الأيام الخمسة، وانخرط المسؤولون في تكرار معزوفة الإصلاح، ولم يبق سوى تعيين رئيس جديد للحكومة.
ولهذه الغاية، جرى اختيار الساعات القليلة التي تسبق وصول الضيف الفرنسي نهاية الشهر، لإجراء استشارات كان يجب ان تتمّ في أوّله، وكأنّ المعنيين من المسؤولين يحاولون بيع الفرنسيين خُضار بعد الظهر بأسعار الصباح، ما يُنبئ بعدم الجدّية، قدر ما يكشف النوايا العميقة بإبقاء البروفسور في منصبه الى نهاية العهد.
قد تتمّ تسمية رئيس مُكلّف تشكيل الحكومة مساء الإثنين، يُقَدّم طبقاً رئيسياً في عشاء رئيس الدولة الصديقة، للقول بأنّ “الطبقة المتّهمة بالفساد” تفي بتعهّداتها، لكنّ مسار التأليف قبل التكليف لا يبُشّر بنهايات سعيدة، والقول انّ الحكومة الديابية يُمكن أن تستمرّ في تصريف الأعمال… والدولار، ليس ضرباً في الغيبْ.
سيكتفي ماكرون، على الأرجح، بالجلوس حيث جلس هنري غورو قبل مئة عام، وربّما احاط به كما في زمن غورو البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية، وسيؤكّد مرّة جديدة على استمرار الإلتزام الفرنسي بدعم لبنان بالرغم من قلق وزير خارجيته من انحلاله. لكن ليس مضموناً أن تتحقّق دعوات الرئيس الفرنسي الى تغيير يُطيح بالفساد. فهو في ذلك كمن ينصح المجرم بالتخفيف من عدد جرائمه، فيما المشكلة باتت في مكان آخر.
فالفساد جزء من طبيعة نظام المحاصصة، وهو أقدم من انفجار المرفأ والإنهيار الإقتصادي. إلا أنّ القضاء عليه بات مشكلة جيوبوليتيكية لا يُعيرها الفرنسيون كبير اهتمامٍ في العلن. ومدخل أي مساعدة دولية في رسم مخرجٍ للبنان من أزماته لا يُمكن أن يقتصر على التعاطف الإنساني الإغاثي وتقديم النصائح… انّه في أخذ الفخّ الجيوسياسي الذي وقع لبنان فيه في عين الاعتبار، كشرط أوّل، وبعدها يصبح للجهود الديبلوماسية معناها. وبعبارة صريحة، هل ستوافق ايران على التنازل عن ابرز استثماراتها في العالم من أجل راحة بال اللبنانيين… وفرنسا؟ هنا تكمن المشكلة!