Site icon IMLebanon

ماكرون في لبنان منع الانهيار مصلحة فرنسية

 

لا شك في أن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة لبنان تضامناً، بعد الكارثة التي حلت به، يبرز حرصه على تأكيد «الصلة الخاصة» التي تجمع بلاده بهذا البلد. لم يبادر أي رئيس عربي أو أجنبي الى مثل هذه الزيارة، وهي أيضاً سابقة في تاريخ الرئاسة الفرنسية، بحسب ما أفادت به مصادر دبلوماسية فرنسية للصحافي اللبناني إيلي مصبونجي، إذا استثنينا زيارة الرئيس الأسبق جاك شيراك لبيروت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. للقرار بعد رمزي مهم، في ظل الأحداث الخطيرة التي يشهدها لبنان والمنطقة وتصاعد الحرب الهجينة الأميركية – الإسرائيلية، أي «الضغوط القصوى» بأشكالها كافة، ضد أطراف محور المقاومة، وفي مقدّمهم حزب الله. مصادر مطّلعة في العاصمة الفرنسية أشارت الى أن الزيارة، التي سبقها إعلان من قصر الإليزيه عن نية الرئيس الفرنسي لقاء «جميع الأفرقاء السياسيين» في لبنان، قد «تزعج» أطرافاً إقليميين ودوليين، بما فيهم أولئك الذين يتمتعون بعلاقات وطيدة مع فرنسا. وما سيزيد، على الأغلب، من انزعاج هؤلاء الأطراف، هو أن ماكرون سيبتعد عن خطاب وزير خارجيته جان إيف لودريان الذي اشترط على اللبنانيين الشروع في الإصلاحات للحصول على مساعدة بلاده. وبحسب المصادر نفسها، فإن الرئيس الفرنسي يعتبر أن الدمار الهائل الذي حلّ بمرفأ بيروت، أحد أهم المرافق الاقتصادية في البلاد وأبرز بواباتها نحو الخارج، والذي يلي الانهيار الاقتصادي والمالي المتعاظم فيها، حوّل لبنان الى دولة منكوبة بالمعنى الفعلي للكلمة. التهديد الذي تمثله هذه التطورات بالنسبة إلى استقرار لبنان الداخلي وما قد يترتّب عليه من تبعات على الأمن الأوروبي، قد يكونان بين العوامل التي «أيقظت» الشعور بـ«المسؤولية التاريخية» لدى المسؤولين الفرنسيين تجاهه، والذي ميّز، أحياناً، مقاربتهم لشؤونه عن تلك الأميركية. المصادر أشارت الى أن ماكرون، الذي تبدأ زيارته العاشرة من صباح اليوم وتنتهي الرابعة بعد الظهر، سيحمل معه وعداً بمساهمة جدية، فرنسية وأوروبية، في إعادة إعمار مرفأ بيروت، إضافة الى جملة من المساعدات في المجال الإنساني. غير أن هذه الزيارة تأتي في سياق يحاول فيه بعض الأطراف السياسيين اللبنانيين تحميل الحكومة الحالية، والعهد وحلفائه، مسؤولية الكارثة التي حلّت بالبلاد، فيما يتناسى (هذا البعض) دوره المركزي في إعادة بناء النظام اللبناني على قاعدة مأسسة الطائفية والمحسوبية والفساد، والفشل الذريع الذي أوصلت إليه خياراته الاقتصادية المبنية على أوهام ماضوية، وأننا نحصد راهناً نتائج سياسات استمرت لنحو ثلاثة عقود. تحاول هذه القوى اليوم توظيف الكارثة التي وقعت لتصعيد ضغوطها السياسية في وجه الحكومة والعهد، تناغماً مع السياسة الأميركية، وهي ستسعى الى استدراج الرئيس الفرنسي لتأييد موقفها. لا مصلحة لفرنسا ولا لأوروبا في الانسياق خلف قوى تعمل وفقاً للأجندة الأميركية التي لن تتردد في دفع الأوضاع نحو الفوضى في لبنان إن اقتضت ضرورات مواجهتها مع محور المقاومة ذلك.

 

عندما قرر الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك التصالح مع الولايات المتحدة من بوابة لبنان والقرار 1559، بعد أن وصل خلافه معها الى ذروته بسبب معارضته لحربها على العراق عام 2003، وظن أن بإمكانه أن يشاركها إدارة المواجهة مع الخصوم، أي سوريا والمقاومة في لبنان، رأى جوزيف سماحة أن فرنسا قامت بإدارة محرك سيارة ستقودها الولايات المتحدة منفردة. وجاء عدوان عام 2006 وما سبقه من تمهيد سياسي داخلي ودولي ليثبت دقة هذا التحليل. القوى التي تثير ضجيجاً صاخباً في الأيام والأسابيع الأخيرة عن حياد لبنان، وتحمّل مقاومته مسؤولية أزمته الاقتصادية والمالية، ولا تتورع عن الشحن الطائفي والمذهبي، ما زالت تنطلق من الرهانات نفسها على الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم. ومن له مصلحة في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان، عليه عدم الإنصات إلى هذه القوى