Site icon IMLebanon

ماكرون في «الأدغال»: ماذا ينتظره؟

 

ما ان غادر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان، حتى بدأ التساؤل عمّا اذا كانت القوى السياسية ستتقيّد بالمِهل التي حدّدها لتشكيل الحكومة وتنفيذ الإصلاحات، ام انّها ستأخذه الى البحر وتُرجعه عطشاناً، على قاعدة انّ طبعها أقوى من التطبّع؟

 

يبدو أنّ هناك رأيين متباينين حيال ما ينتظر ماكرون في «الادغال السياسية» اللبنانية:

 

يعتبر أصحاب الرأي الأول، انّ الطبقة السياسية لا تزال تميل الى المناورة والتشاطر، للتملّص قدر المستطاع من الالتزامات التي قطعتها للرئيس الفرنسي، تحت ضغط حضوره الشخصي الى لبنان وإشرافه المباشر على محاولة رفع الانقاض السياسية والاقتصادية التي خلّفتها عقود من الهدر والفساد.

 

وفي ظنّ هؤلاء، انّ المنظومة الحاكمة لن تهضم بسهولة رزمة الإصلاحات الواردة في المقترح الفرنسي، لأنّها تجد فيها خطراً حقيقياً عليها، لا يقلّ فداحة عن خطر الانهيار الشامل الذي قد تفضّله على التضحية الطوعية بمكاسبها وارثها. لكنها تعلم في الوقت نفسه ان ليس بمقدورها تجاهل الضغط الفرنسي الكبير وتجاوز الدور المباشر لماكرون، الذي لوّح بعصا العقوبات اذا جرى التنصّل من التعهدات المعلنة، وبالتالي فهي ستتجنّب المواجهة المباشرة معه وستوحي له بالإيجابية، انما من دون أن تلبّي كل ما هو مطلوب منها، بحيث ربما تكتفي بتسديد دفعة على الحساب لشراء الوقت، عبر تطبيق جزء من الإصلاحات فقط وخلال مدة أطول مما هو مفترض، على أمل تقطيع الاشهر القليلة المقبلة بأقل الخسائر، في انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه لاحقاً، تبعاً لهوية الفائز.

 

اما أصحاب الرأي الثاني، فيرجحون انصياع الطبقة السياسية مكرهة للروزنامة الفرنسية، ليس حباً بالإصلاحات، التي سيكون مذاقها مراً للبعض، وإنما خوفاً من التداعيات التي ستصيب المصالح السياسية والمادية للمنظومة المتحكمة، اذا قرّر ماكرون ان يتركها لمصيرها في الداخل والخارج.

 

والى حين تبيان حصيلة الاختبار الأولي الذي سيخضع له اللاعبون المحليون، من خلال مراقبة طريقة تعاطيهم مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة، يلفت قطب حزبي، الى انّ السقوف الزمنية التي حدّدها الرئيس الفرنسي لتطبيق مبادرته هي «مهلة حث اكثر منها مهلة حسم».

 

ويرى القطب الذي شارك في الاجتماعات مع ماكرون، انّ المهم هو ان تثبت الجهات الداخلية المعنية جدّيتها وصدقيتها في تأليف الحكومة وتنفيذ الإصلاحات، «وعندها لن تكون هناك مشكلة إن تمّ تجاوز المِهل ببضعة ايام».

 

ويتوقع القطب ان توضع «لمسة الفرنسية» على حكومة مصطفى أديب، مرجحاً ان تضمّ وزراء اختصاصيين، يعكسون في تركيبتهم نوعاً من الاستقلالية، انما مع نكهة سياسية، «بحيث يستطيعون التوفيق بين متطلبات نيل غطاء الجهات المحلية التي توافقت على اسم أديب، وبين مقتضيات اكتساب الحد الممكن من الرضا الاقليمي والدولي، بقوة دفع من القاطرة الفرنسية».

 

ويؤكّد القطب المطلع، انّ وزارة المال ستبقى في حوزة المكوّن الشيعي، وحتى الرئيس المكلّف والرئيس سعد الحريري لن يطلبا او يؤيّدا اخضاعها للمداورة، «لأنّ الوقت غير ملائم لمثل هذه الطروحات، خصوصاً انّ الثنائي الشيعي كان متعاوناً ومتساهلاً في ملف التكليف وفي اعتماد مقاربات تريح الحريري».

 

ويلفت القطب، الى انّ «حزب الله» سيبدي اقصى حدود الإيجابية في التعامل مع مبادرة ماكرون، ما دامت تراعي ثوابته الاستراتيجية، مشيراً الى انّ هناك مساحة مشتركة تجمعه وباريس، عنوانها لجم الانهيار، وإن يكن لكل منهما دوافعه وحساباته في هذا الإطار.

 

وبناء عليه، لا يجد الحزب- وفق القطب- اي ضير في ملاقاة المبادرة الفرنسية وتعزيز فرص نجاحها على مستويي التأليف الحكومي والروزنامة الإصلاحية، «بعدما حصل من ماكرون على ما طلبه لجهة سحب الانتخابات المبكّرة من التداول ووضع مسألة السلاح جانباً».

 

ويوضح القطب، انّ الحزب يعطي الاولوية في هذه المرحلة لتخفيف وطأة الأعباء والأزمات التي تنهك اللبنانيين من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، مشدّداً على انّ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر مدعوان أيضاً الى التجاوب الكامل مع الإصلاحات التي لحظتها الورقة الفرنسية، حتى لو اضطرا الى تقديم التنازلات في بعض البنود والتخفيف من تصلبهما حيالها، «ذلك أنّهما سيكسبان في المقابل تحسيناً لتموضعهما الداخلي وخرقاً لمحاولات العزل الخارجي».