IMLebanon

ماكرون إذ يتوهّم

 

كان على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يقرأ التاريخ القريب قبل السقوط في وهم بدعة فصل السياسة عن الاقتصاد. ربما كان تجنب الإحراج وأبعد عنه كأس الفشل المرة.

 

كان عليه أن يقرأ في مسيرة الرئيس رفيق الحريري وصولاً الى إغتياله. وما تلا ذلك من إنقضاض مبرمج على الاقتصاد لم تنفع فيه فذلكات استخدمها المحور وأتباعه، لتكريس نفوذهم وفرض سيطرتهم بكل الوسائل غير الشرعية على لبنان الكبير لإبتلاعه.

 

أي إقتصاد يمكن أن تقوم قيامته ما دامت السياسة مصادرة وقحة للسيادة ولا يمكن تجميلها، لا سيما بعد أن ولّى زمن اللياقات والمراعاة، وبات اللعب على المكشوف. ومنيت البدعة في الأزمة الحكومية الراهنة بضربة قاضية، أطاحت بأوهام الرئيس الفرنسي الذي انتشى خلال تجواله في شوارع بيروت المنكوبة وحسب أنه المخلص. وأنه شاطر في التحايل على المحور وأتباعه ليأكل العنب ولا يقتل الناطور. مع أن العلة في الناطور. وبوجوده لا عنب ولا قطاف.

 

لو أن ماكرون قرأ المرحلة السابقة لفهم أن إتفاق مار مخايل لم يكن هدفه الا ما نحن فيه. والحاجة الى التوقيع المسيحي على هذا الاتفاق كانت فقط لتسهيل ما نحن فيه. وأن من حسب أنه سينتصر على كل خصومه بهذا التوقيع، ويغير التاريخ وبمفعول رجعي يقبع اليوم أسير قصر مع أشباح الفشل والكوارث المتلاحقة.

 

كان المطلوب مساهمة هذا التوقيع في تمكين رأس المحور من القبض على الإقليم. وكل ما عداها حواشٍ يمكن الإستغناء عنها بجملة واحدة… وإنتهى الأمر. حتى أنه لا لزوم ليوم مجيد آخر. الجملة تكفي. ومن لا يريد أن يفهم، له أن يجتر خيباته.

 

وأول هذه الخيبات سقوط كذبة “حماية الأقليات” من خلال التحالفات التي يتبين تباعاً أنها كانت سلماً لإرتقاء المحور وأتباعه الى حيث تقتضي خطط المشروع، ليخاف “المشرقيون” المستجدون أكثر على ساحة الطموح الجشع.

 

وليست المرة الأولى التي ينحشر فيها أتباع المحور، فيراوغون ويعلنون قبولهم بفصل السياسة عن الاقتصاد، لينقلبوا على وعودهم غير عابئين بالنتائج.

 

آخر همومهم أن يموت لبنان الكبير، ويصبح بؤر فقر وإرهاب يتفعل غب الطلب. وليفقد مسيحيوه الإيمان بإمكانية إستمراره، ولكي يفكروا جدياً في الإنعزال داخل كونتون أقل فقراً مما يحيط به.

 

كل ذلك لا يهم. ولعله يخدم المحور أكثر، ما دامت بدعة فصل السياسة عن الاقتصاد تؤتي ثمارها حتى اللحظة. وينخدع بها طامح الى دور إقليمي من العتبة اللبنانية المشمولة برعاية جمهورية الأم الحنون، فيصدِّق وعود “قصر الصنوبر”، ليكتشف بعد ذلك أن ما يقال على أرض أجنبية لا يلزم قائله عندما يعود الى مربعاته الأمنية.

 

وليس دقيقاً الكلام عن خطط للمثالثة من خلال التمسك بوزارة المال، فما يريده المحور هو أحادية مطلقة لا تشوبها شائبة. ومن يريد أن يلعب فليلعب تحت سقف هذه الأحادية، وليتسلَ ببدعة فصل السياسة عن الاقتصاد. وفي الوقت الضائع، يدخل الى البلاد ما يمكن الاستفادة منه لدعم استمرارية مشروع المحور.