IMLebanon

ماكْرون والماكِرون

 

شخَّص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كل منابع القذارة التي ينهل منها من يتحكم بالمنظومة السياسية ويحركها. لكنه لم يقدم العلاج الجذري لاجتثاث هذه القذارة وإجرامها الذي ينحر الشعب اللبناني الذي يراكم خسائره وخيباته.

 

وصَّف ماكرون المتحكمين بالمنظومة وحذَّرهم. ولم يوفر من يتواطأ ويشارك ويخضع للإبتزاز أو يراوغ بحثاً عن تعويم نفسه في زمن القحط الذي يهدد بتحويله نسياً منسياً. إلا أنه أبقى مقاليد حلّ الأزمة الحكومية بأيدي الماكرين المتحكمين مراهناً على لاواقعية مستحيلة.

 

ففي حين بدا جلياً تجاهل الرئيس الفرنسي التطرق المباشر الى دور المشغل الإقليمي، أعطى لهذه المنظومة مهلة جديدة، مع علمه بأن مهلته ستسقط بالضربة القاضية في الوقت الضائع الذي يفرضه هذا المشغل بانتظار حلول موعد المفاوضات المرتقب مع الإدارة الأميركية العتيدة بعد الانتخابات التشرينية.

 

وبذلك جاء تشخيص ماكرون ليبين بما لا يقبل الشك أن أي مهل ستبقى هباءً منثوراً. فالحلول لن تكون الا بعد سحب أي اعتراف بهذه المنظومة، الراضي بعض من فيها بالخضوع للإبتزاز المتواصل مقابل المناصب، في حين لا يأبه المبتزون الماكرون لهذا الكم الهائل من الإتهامات بتخويف اللبنانيين ولعب الأدوار الميليشيوية المفضوحة وقتل المدنيين السوريين، معتبرين أن كلام ماكرون لا يغير في واقع الحال شيئاً ما دامت اللعبة الإقليمية تغذي وجودهم وسلاحهم. بالتالي لا زوال لأدوارهم التهديمية إلا بزوال مفعول مشغلهم.

 

ولا نعرف ما اذا كان الرئيس الفرنسي قد تحسب للصدمة التي تنتظره مع انحسار شهر العسل. فقد بدأ الماكرون بحملات تشويه لدوره ونواياه. وها هم يُتفِّهون جهوده ويُسخِّفون توصيفاته بشأنهم ويسلطون الضوء على ما طاول غيرهم فقط. وينهون التمسك اللفظي بمبادرته بحجة أنها جزءٌ من المؤامرة الكونية على الشيعة. وينددون بالتحاق صاحب المبادرة بركاب الشيطان الأكبر والمتصهينين العرب.

 

لكن على أحدهم أن يهمس بأذن ماكرون أن هذا ما يحصل عادة، ولا لزوم للصدمة، وأن الماكرين ماهرون بقلب الحقائق والإنقلاب على مواقفهم.

 

وعلى أحدهم أن ينصحه بإلغاء المهل، لأنها ستحمل في طياتها ألغاماً تنفجر إرتفاعاً جنونياً في سعر صرف الدولار ورفع الدعم عن الأساسيات، وأهمها الدواء المفقود منذ اليوم وقبل رفع الدعم عنه. ناهيك عن إستحضار الإرهاب الداعشي كوسيلة تقليدية، لا يهم من تحصد من أرواح عناصر الجيش المساكين ما دامت الأفضل لإيصال الرسائل المنشودة الموجعة. فالمهم أن يرتفع منسوب الفوضى حتى يخاف من يحسب أنه بتشخيصه سيدفع الماكرين الى مراجعة حساباتهم الدموية التخريبية.

 

والواضح أن الطريقة الفرنسية لن تتخطى مرحلة التخدير الموضعي والموقت، مع التوافق على عدم إجراء أي عملية جراحية لبتر الفاسد من أعضاء جسد الكيان اللبناني المهترئ، بانتظار التغييرات الكبرى التي ستشمل لبنان باعتباره ورقة من أوراق هذا الإقليم في يد من يحرك الأوراق.

 

لذا، وعلى قاعدة “إذا ما خربت ما بتعمر”، لا بأس بالبقاء في جهنم لبعض الوقت، وليتحمل الماكرون مسؤوليتهم. فالمهل والترقيع والإجراءات الإنقاذية كلها لا تنفع ما لم تتم معالجة الأساسات المهترئة للكيان اللبناني بفضل الماكرين وتحكمهم بالمنظومة الفاسدة.