IMLebanon

حسابات استراتيجية ورهانات رهائن

 

 

فرنسا تمهل ولا تهمل، بصرف النظر عن مرارة التجربة الأخيرة مع التركيبة السياسية، وخصوصاً مع “الثنائي الشيعي”. ولا تزال تراهن على صحوة وطنية، ولو بقوة الخوف من السقوط، كما على تبدل ما في الحسابات الايرانية بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. فهي تؤجل المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان في “إعادة بناء المرفأ والبيوت المتضررة في بيروت” من تشرين الاول الى تشرين الثاني. وتكرر بلسان وزير الخارجية جان ايف لودريان التحذير من “زوال لبنان، ان لم تُؤلف حكومة سريعاً ولم تجر إصلاحات هيكلية”.

 

ويا بلاش. ثمن الحؤول دون زوال لبنان كما عرفناه او دون تفكيكه ليس شيئاً ندفعه بل عملية نحقق فيها ما لا نزال نطالب به في الشارع منذ ثورة 17 تشرين الماضي وما يطلبه منا ولنا الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليون وما عمل له الرئيس ايمانويل ماكرون. لكن المشكلة مزدوجة كما اكتشفها الرئيس الفرنسي بعدما ارتكبت التركيبة السياسية ما سماها “الخيانة الجماعية” لالتزامها أمامه: حكومة من خارج الأحزاب مهمتها إنقاذ البلد بدت في نظر “حزب الله” “مؤامرة” لإخراجه من الحكومة التي “يجب ان يكون فيها لحماية ظهر المقاومة ومنع التساهل امام شروط صندوق النقد الدولي” كما قال السيد حسن نصرالله وهو يمسك بالسلطة الحقيقية عملياً. وإصلاحات هيكلية تعني منع النافذين في السلطة وخارجها من السطو على المال العام والمال الخاص.

 

ومن الوهم التصور ان ما قاد الى تفشيل المبادرة الفرنسية هو حسابات تكتيكية لدى “حزب الله” في مرحلة محددة عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، لا حسابات استراتيجية في إطار المشروع الاقليمي الذي عنوانه “محور الممانعة”. كذلك الامر بالنسبة الى حسابات البقية في التركيبة السياسية، لأن البقاء في السلطة واستمرار القدرة على الإثراء غير المشروع، وان كان النهب يتم ضمن التلاعب بالقانون، مسألة حياة او موت.

 

ولا شيء يوحي، الا اذا حدثت معجزة هي صفقة اقليمية – دولية كبيرة او حرب إقليمية، ان هناك فرصة لتبدل جوهري في الحسابات. فاللصوص الذين سرقوا أموال الناس المؤتمنين عليها لا يزالون في مواقعهم، ويتصرفون كأنهم أصحاب الحلول. والثورة تعرضت للاحتواء ولعنة الطموحات الفردية، مع ان العوامل التي قادت اليها تتعمق وتتوسع. الموالاة والمعارضة وجهان لعملة واحدة. والتركيبة السياسية قتلت، ليس فقط الحاضر بل ايضاً احلام اللبنانيين، بحيث صارت الهجرة هي الملاذ الوحيد للنخبة الطبية والعلمية. صراع على وزارات سيادية في بلد ناقص السيادة. وتراشق بالميثاقية بين زعامات لا تؤمن بالميثاق الوطني. جوع الى الدولار وتخمة بالصواريخ. ورهان على ما نحن رهائن لديه.

 

كان ماركس يتحدث في القرن التاسع عشر عن “الانتقال من مملكة العوز الى مملكة الحرية”. لكن لبنان انتقل في القرن الحادي والعشرين من مملكة الحرية الى مملكة العوز.