IMLebanon

ماكرون وميثاق عالمي جديد

 

اطلق الرئيس الفرنسي ماكرون من منتدى دافوس الدعوة الى ميثاق عالمي جديد. جاء ذلك بعد الرسالة التحذيرية التي أطلقها انطونيو غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة وعبّر خلالها عن قلقه حول مستقبل المنظمة وميثاقها نهاية العام ٢٠١٧، قائلاً «انني احذّر ولا اناشد». كما تشهد منظومة الدول الثمانية خلافاً مع روسيا، ومجموعة الدول العشرين للاقتصادات الأكبر وانقساماتها وخلافاتها. وتأتي دعوة ماكرون بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوروبي وظهور تيارات سياسية في كلّ دول اوروبا تدعو الى الخروج من الاتحاد، ممّا يستدعي إعادة النظر بكلّ مواثيق التجمّعات الدولية والاقليمية ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تتزامن دعوة ماكرون مع الذكرى الاولى لتولّي الرئيس الاميركي مهامه، وما يرافقها من تحقيقات وتداعيات وانقسامات غير مسبوقة داخل المجتمع الاميركي، بالاضافة الى قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس المحتلة، وما أكّده ترامب مع نتانياهو في دافوس، بعد كلام نائب الرئيس الأميركي في الكنيست الاسرائيلي معتبراً قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو تصويب  لخطأ عمره سبعين عاماً، اي منذ قرار تقسيم فلسطين ١٨١ العام ٤٧، مع التهديد بتوقيف المساعدات عن الأمم المتحدة.

تأتي دعوة ماكرون في ظلّ تعثر جامعة الدول العربية وعدم قدرتها على القيام بأبسط مهامها التي جاءت في بروتوكولها التأسيسي وميثاقها، وتفكّك العديد من الدول الأعضاء، بالاضافة الى التحوّلات الكبرى التي تشهدها كلّ الدول العربية بدون استثناء، ناهيك عن عدم قدرة الجامعة على التدخل في الازمة السورية او الازمة العراقية او اليمنية او الليبية او السودانية او ازمة مياه النيل او الصحراء المغربية. هذا بالاضافة الى قضية اللاجئين العرب الذين بلغوا اكثر من نصف اللجوء العالمي. ولا بدّ من اعادة النظر بميثاقها ودورها ووظيفتها.

الامر عينه بالنسبة لمنظمة التعاون الاسلامي والتي أنشئت على اثر حريق المسجد الأقصى عام ٦٩، حيث تمّت الدعوة الى مؤتمر للدول الاسلامية في الرباط، وتمّ وضع ميثاق تأسيسي لمنظمة المؤتمر الاسلامي ولجنة القدس العالمية والبنك الاسلامي والمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة. ومؤخراً دعت تركيا، رئيسة الدورة الحالية، الى قمّة استثنائية لمواجهة قرار نقل السفارة الى القدس، فلم يكن لقراراتها اي تأثير مع مقاطعة القمة من دول مؤسِّسة للمنظمة، مما يستدعي اعادة النظر في ميثاقها بعد ان فشلت في انجاز وظيفتها الاساس وهي حماية القدس الشريف.

لا نستطيع ان نتجاهل ما تعانيه منظمة مجلس التعاون الخليجي من انقسامات وتحديات وتعطل العمل الخليجي المشترك في مواجهة التحديات الاقليمية والدولية، والنزاع اليمني المقلق والمدمر والمستنزف لمقدرات الخليج واستقراره، وتحدّيات الفوضى العراقية منذ حروب الخليج الى الفوضى الخلاقة والتداخلات الاقليمية والدولية ودولة داعش واسبابها ونتائجها، بالاضافة الى تحدّياتها الاقتصادية والاجتماعية وخلافات دولها، ممّا يستدعي اعادة النظر بالأسس والتوجهات التي قامت عليها وارساء قواعد جديدة.

الرئيس ماكرون ينطلق في دعوته من كل هذه التحولات والتحديات التي يواجهها النظام العالمي، بعدما فشل في صناعة الاستقرار في العالم ومنطقة الشرق الاوسط بالذات، حتى بات الشرق الاوسط غير المستقر يهدّد النظام العالمي برمّته بسبب النزاعات المدمرة التي تتعرض لها شعوب المنطقة منذ الخطأ الاول بإقامة دولة اسرائيل خلافاً لميثاق الامم المتحدة وحق الشعوب بالعيش بسلام على ارضها وخلافا للشرعة العالمية لحقوق الانسان. وهذا ما حُرِم منه الشعب الفلسطيني على مدى سبعين عاماً. والرئيس ماكرون يعرف ان الميثاق العالمي جديد يجب ان يبدأ من قيام دولة فلسطين.