Site icon IMLebanon

ماكرون وبري يحرّكان التأليف

 

 

أصدر الرئيس نبيه برّي موقفاً أرسل كمّاً من الاشارات الايجابية، في توقيت كان بدوره يرسل اشارات مماثلة. تلتقي جملة الاشارات هذه في اليوم 102 على تكليف الرئيس سعد الحريري بلا تأليف حكومة، واليوم 175 على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب

 

مذ قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي في 28 تشرين الاول، في اليوم الخامس لتكليف الرئيس سعد الحريري، إنه يتوقع ابصار الحكومة الجديدة النور «خلال اربعة او خمسة ايام اذا استمرت الاجواء الايجابية»، لم يُضِف موقفاً جديداً مذذاك، سوى ما كان يُنقل عنه من زواره عن ضرورة استعجال تأليفها مرة، وتجاوز العراقيل مرة اخرى، والتحذير من اسوأ مما تمر فيه البلاد مرة ثالثة.

 

أتى بيان برّي البارحة غداة اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برئيس الجمهورية ميشال عون، تناول مسار تأليف الحكومة بعد ساعات من السجال الحامي بين قصر بعبدا ووادي ابو جميل، وتقاذف المسؤوليات بإزاء تعطيل التأليف.

ومع ان مكالمة ماكرون لم تفصح تماماً عما دار بينه وبين الرئيس اللبناني، بيد ان مطلعين موثوقاً بهم تحدثوا عن احتمال فتح كوة في المأزق، قد تترجم في وقت قريب بحلحلة يكون عون والحريري جاهزين لها. منذ آخر اجتماع بينهما في 23 كانون الاول، ومرورهما في قطيعة كاملة تعذّر معها على اي فريق اختراقها من جراء الشروط المتصلبة التي تبادلاها، بدا الدفع الجديد للمبادرة الفرنسية كفيل تطور ما. تردد على اثر المكالمة ان رئيس الجمهورية سيبدي مرونة، مقدار ما تردد في المقلب الآخر ان الرئيس المكلف بات اكثر استعداداً لتخفيف شروطه والذهاب الى تفاهم لا مفر منه مع عون، اذا كان فعلاً يريد دخول السرايا لا ان يبقى رئيساً مكلفاً. على ان العودة الى الاجتماعات تتطلب، كما في كل مفاوضة صعبة بين عدوين تشبه ما بين الرئيسين، قليلاً من شد العصب الاضافي والعناد على طريق التراخي.

خلافاً لحالات سابقة رافقت مشاورات تأليف حكومة، اقتصر الاشتباك هذه المرة على الرئيسين. لم يتدخل وسيط بينهما، ولا مُنحت الكتل النيابية دوراً كي تشارك فعلياً في التأليف على غرار ما كان يحدث منذ اتفاق الدوحة عام 2008. غداة مشاورات التأليف التي اجراها الحريري مع الكتل في 24 تشرين الاول، بدأ لقاءاته مع رئيس الجمهورية، وحصرا بهما التفاوض. عنى ذلك انهما تقبّلا، بلا مكابرة، دوري كليهما تبعاً للصلاحيات الدستورية المنوطة بهما، بحيث سلّما بكونهما شريكين في تأليف الحكومة. ما دام لا مرسوم يصدر بلا توقيعيهما معاً، يشير ذلك حتماً الى ان شراكتهما في هذه المهمة متساوية ومتوازية، وإن هي تبدأ بالرئيس المكلف بيد انها تنتهي حكماً برئيس الجمهورية. وحده تفاهمهما يجعلهما يؤلفانها.

خروج الكتل من مشاورات التأليف اتاح الاعتقاد بأن من السهولة بمكان على عون والحريري الاتفاق على حكومة حددت المبادرة الفرنسية معالمها: حكومة اختصاصيين، غير حزبية، مهمتها الاصلاح البنيوي في الاقتصاد والنقد، غير موسعة. اذذاك كان من الطبيعي ان يقف كل من الرئيسين في المربع المخصص له في ملعب التأليف: رئيس الجمهورية يسمّي الوزراء المسيحيين بسبب إبعاد التيار الوطني الحر عن التفاوض شأن سواه، وابتعاد حزب القوات اللبنانية عن المشاركة وإن غير المباشرة في الحكومة (وكلاهما لم يسمّيا الرئيس المكلف)، فيما تفاهم الحريري سلفاً مع برّي و»حزب الله» ووليد جنبلاط على تسميتهم وزراءهم الاختصاصيين، وهو ما افصح عنه رئيس المجلس في بيان امس. ما يعرفه الحريري ان لا حكومة تبصر النور ما لم يُرضِ حلفاء التكليف الثلاثة هؤلاء، وهو ليس ممّن يمحضونه ثقة عمياء بتسمية ليسوا في اصلها او شركاء اساسيين فيها.

بمرور الاجتماعات المتتالية، استساغ الحريري فكرة الاستئثار بتوزير المسيحيين الاختصاصيين في معزل عن رئيس الجمهورية، وتكون له حصة مباشرة من بينهم، ذاهباً في اعتقاده ان مقتضيات حكومة اختصاصيين تمنحه حقاً لم يخوّله اياه الدستور، وهو تجاوز رئيس الجمهورية الشريك الكامل المواصفات. ذلك ما فسّر مواقف نواب كتلته وقريبين منه ان ليس على عون الا توقيع تشكيلة الـ18 التي اقترحها لئلا يُتهم بالعرقلة. جاء الرد المقابل ان لا حكومة لا يوافق الرئيس على اسماء وزرائها فرداً فرداً، وليس المسيحيون فحسب، ما دام صاحب التوقيع الاخير الذي يجعله شريكاً كاملاً.

مع ان تزامُن بيان رئيس البرلمان امس مع مكالمة ماكرون بعون اعطت بصيصاً في احتمال معاودة التواصل، الا انه انطوى على آلية حل لمشكلة التأليف، تبنّى ضمناً قواسم مشتركة اختلف عليها عون والحريري قبلاً، وفي الوقت نفسه رسمت ملامح تسوية محتملة:

1 – تجديد دعم المبادرة الفرنسية بتأليف حكومة اختصاصيين، وهو الشعار الذي يحمله الحريري عنواناً لتكليفه، من غير ان يصطدم بمعارضة عون الذي يؤيد بدوره المبادرة هذه.

2 – تأكيد رئيس المجلس موافقته على توزير «مَن ليس ضدنا» و«مَن ليس معنا» على أن يتمتعوا بالكفاية، وهو مغزى اختصاصيين لا يهبطون من السماء، بل يؤتى بوزراء ليسوا جزءاً من بنى الاحزاب وليسوا أعداءً لها. على اهمية معيار كهذا، ليس من السهولة بمكان العثور على هذا الطراز من «طوباويين» لا يغالون في الممالقة والانتماء، ولا يفرطون في الخصومة. لا يكونون حتماً من الذين يختبئ وراءهم رئيس حكومة لا شأن له بالاختصاص، مقدار مهارته في افتقاره اليه.

3 – ما اورده برّي في بيانه عن ان كتلته النيابية، التنمية والتحرير، التزمت الاختصاص وتالياً معادلة «مَن ليس ضدنا» و»مَن ليس معنا» في تسمية مرشحيها، ثم قوله ان هذا المعيار يسري على الجميع من دون استثناء، يناقض ما ينكره الحريري على عون، وهو ان يسمّي الرئيس الوزراء المسيحيين ما دام الحريري يسمّي الوزراء السنّة، والثنائي الشيعي يسمّي وزراء طائفته، وجنبلاط يسمّي الوزير الدرزي. على نحو الدور المباشر للمرجعيات السنّية والشيعية الدرزية، لرئيس الجمهورية في ظل إبعاد الكتل المسيحية أو ابتعادها موازاة لعبة التوزير هذا، وهو ما يسميه التوازن في تأليف الحكومة المعني به دستورياً.

 

بعد مكالمة ماكرون، رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على طريق التسهيل

 

 

4 – يطلب برّي تحظير الثلث +1 في الحكومة الجديدة لتناقضه مع مغزى حكومة اختصاصيين، فيما يسود الغموض هذا الشق من المشكلة. يقول عون انه لم يطلب مرة هذا النصاب الموصوف ولا فاتح الرئيس المكلف به. منذ اليوم الاول طلب ستة وزراء مسيحيين يسميهم في حكومة الـ18 لا يصنعون النصاب الموصوف في اي حال. لا يسع فريق واحد – يضيف رئيس الجمهورية – التحكم في مصير الحكومة في ظل موازين القوى القائمة حالياً والتي تحول دون تمكينه بمفرده من التلاعب بها، في معزل عن حلفاء معلنين او مخفيين هم الظهير الفعلي. في المقابل يصرّ الحريري على ان النائب جبران باسيل، متلطياً وراء عمّه الرئيس، هو الذي يحض على الثلث +1، سواء بسبعة وزراء في حكومة الـ18، أم بثمانية في حكومة الـ20 عبر المقعد الكاثوليكي المحدث. يعمّم الحريري اتهامه على عون وباسيل كي يبرر حصوله على حصة مسيحية مجانية في الحكومة من جهة، وتقليص حصة عون وفريقه الى الحد الادنى، الاضعف، من جهة اخرى.

ليس خافياً ظهير الحريري الذي هو برّي و»حزب الله» في وجوده على رأس الحكومة، وظهير التيار الوطني الحر الذي هو «حزب الله» للمحافظة على موقعه القوي في المعادلة. كذلك المعلوم عن برّي ظهير جنبلاط، مقدار الظهير الذي يمثله و»حزب الله» لسليمان فرنجية. وحده حزب القوات اللبنانية بلا ظهير، فيما اضحى حزب الكتائب خارج مجلس النواب.

على نحو كهذا، يبدو واضحاً تماماً ان كلاً من رئيس المجلس و»حزب الله» – أو الاثنين معاً – يمثلان وحدهما الظهير الفعلي المؤثر لكل الكتل الاخرى، كبيرها وصغيرها.