IMLebanon

بين ديناميكية ماكرون.. وبرودة عون!

 

من حق اللبنانيين أن يُبدوا إعجابهم وتقديرهم للجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، في مواجهة سلسلة الإنهيارات التي تُطوّق لبنان، وأسقطت شعبه المقهور إلى ما دون خط الفقر.

 

مقارنة سريعة بين الجهود الكبيرة والمكثفة التي بذلها، وما زال يبذلها، الرئيس الفرنسي لإنهاض لبنان بعد كارثة إنفجار مرفأ بيروت، وبين حالات الإرتباك، حتى لا نقول اللامبالاة، التي تهيمن على تصرفات ومواقف الرئيس اللبناني، وما تفرزه من عجز وفشل في الحد من التداعيات المدمرة على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، فضلاً عن العراقيل التي تحول دون تأليف «حكومة مهمة» إنقاذية، تضع الدولة ومؤسساتها على طريق الإصلاح الحقيقي والجدي، وتستعيد الثقة المفقودة حالياً بالسلطة، داخلياً وخارجياً، تاركة الحكم اللبناني «يُقبّع» شوكه بيده، وهو أضعف من القيام بمثل هذه الخطوة الضرورية.

 

بعد يومين من الإنفجار الزلزالي، جاء الرئيس الفرنسي إلى بيروت حاملاً معه ما تيسر من مساعدات إغاثية فورية، ووحدات الدعم والمساندة الفنية واللوجستية لتسريع رفع الأنقاض، والمساهمة في التحقيقات لجلاء خلفية وحقيقة هذه الكارثة. إنتقل فوراً من المطار إلى المرفأ المنكوب، تفقد الأحياء المدمرة في الجميزة ومار مخايل، تجوّل بين الناس الغاضبة والمكلومة بما أصابها من دمار بيوتها ومؤسساتها، وما لحق بها من تشرد وأضرار بالغة، وحاول محاربة أجواء الإحباط واليأس ببلسمة الجراح في تقديمات سريعة ومباشرة، عبر مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني الناشطة.

 

لم يقتصر اهتمام ماكرون على النواحي الإنسانية، كما هو معروف، حيث أطلق مبادرة سياسية إنقاذية متعددة الأهداف والجوانب، وحرص على اللقاء مع الأطراف السياسية والحزبية، وتجاوز الحظر الغربي المفروض على حزب الله، وإنتهى بوضع خريطة طريق واضحة وسريعة لفتح أبواب المساعدات الخارجية للبلد المتهاوي تحت ضغوط الأزمات الإقتصادية والمالية، وهول ثالث أكبر إنفجار في العالم.

 

كما تعهد الرئيس الفرنسي بتنظيم مؤتمر دولي على وجه السرعة لتوفير المساعدات المالية اللازمة لوقف التدهور وتأمين الدعم الفوري للعائلات المتضررة وللمؤسسات المدمرة، وذلك ضمن روزنامة محددة، وتسير بالتوازي مع تنفيذ أهل الحكم والسياسيين اللبنانيين تعهداتهم بتشكيل الحكومة العتيدة وإطلاق ورشة الإصلاحات الموعودة.

 

لم تُثن مناورات الساسة اللبنانيين الخبيثة الرئيس الفرنسي عن متابعة المهمة الإنقاذية لبلد الفرانكوفونية الأول في الشرق، فجاء في زيارة ثانية إلى الوطن الجريح في مطلع إيلول، أي بعد أقل من شهر من الزيارة الأولى، وبذل المساعي الجبارة لتذليل العقبات التي تعترض الولادة الحكومية، إنطلاقاً من معرفته الأكيدة بأن لا مساعدات مالية سريعة للبنان قبل تشكيل حكومة تحظى بثقة الدول المانحة والمؤسسات الدولية المعنية، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 

ورغم الصدمات المتتالية للمبادرة الرئاسية الفرنسية، بسبب نكوث القيادات وكبار المسؤولين اللبنانيين بتعهداهم ووعودهم العرقوبية، إستمرت الجهود الفرنسية الداعمة للشعب المغلوب على أمره، على أكثر من صعيد، وكلف الرئيس الفرنسي خلية خاصة في الأليزية لمتابعة الملف اللبناني المتعثر، واستمر في محادثاته مع الحلفاء والأصدقاء، لا سيما مع الرئيس الأميركي جو بايدن، لتخفيف العقوبات على البلد المنكوب وتأمين مساعدات الحد الأدنى لمؤسساته المتداعية، وخاصة الجيش اللبناني.

 

ثلاثة مؤتمرات دولية ترأسها الرئيس الفرنسي لتوفير المساعدات المالية للبنان، بينما الرئيس اللبناني «استهلك» تكليف ثلاثة رؤساء لتشكيل حكومة مقبولة من المجتمع الدولي، من دون أن يظهر في الأفق بصيص أمل بولادة حكومية قريبة!

 

أبدى الرئيس الفرنسي مرونة وواقعية في التعامل مع مستجدات الأزمة اللبنانية، في حين بقي الرئيس اللبناني متمترساً خلف مطالبه بحجة الحرص على الصلاحيات الرئاسية، والدفاع عن حقوق الطائفة!

 

تخلى الرئيس الفرنسي عن فكرة «حكومة مهمة» تقتصر على إختصاصيين فقط، في حين إزداد الرئيس اللبناني تمسكاً بحقائب وزارية معينة مثل وزارتي الداخلية والعدل، مع تفضيل أسماء محددة على غيرها من المرشحين لدخول الجنة الوزارية.

 

حرص الرئيس الفرنسي على عقد المؤتمر الدولي الثالث يوم الذكرى الأولى للكارثة المشؤومة، في حين إكتفى الرئيس اللبناني بتوجيه كلمة إنشائية غابت عنها معاناة اللبنانيين في الكهرباء والمحروقات، وفي الجوع والفقر والحرائق المتنقلة بين المناطق، وتجاهل كامل لإهتزاز حبل الأمن والفتن التي أطلت برأسها محاولة نفث سمومها بين أبناء المنطقة الواحدة، ومكونات الصف الواحد.

 

في باريس ديناميكية مستمرة لتحقيق «اختراق ما» في جدار العناد اللبناني القاتل، وتظهير الحكومة الموعودة، وفي بيروت ركود وبرودة وإنكار بلا طائل لمخاطر الأوضاع المتدهورة، وعرقلة متزايدة لتأليف الحكومة القادرة على الإنقاذ والإصلاح!

 

فهل «كل من صفّ الصواني قال أنا حلواني»!