للمرّة الثالثة على التوالي، تجدّد الإدارة الفرنسية مساعيها لتحقيق تفاهم داخلي يساعد على ولادة حكومة لا بدّ منها لإنطلاق قطار مبادرتها الانقاذية. الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عاد بنفسه إلى حلبة الصراع اللبنانية – اللبنانية من خلال استضافته رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على العشاء “للبحث في الصعوبات اللبنانية الداخلية التي تعترض تشكيل الحكومة وفي السبل الممكنة لتذليلها”، وفق ما جاء في بيان مكتب الحريري.
الاشكالات التي تحول دون ولادة الحكومة باتت جليّة وواضحة، ولعل أهمها عديد الحكومة، ومن ثمّ الثلث المعطّل المتّهم “التيار الوطني الحر” بالسعي للحصول عليه، وأخيراً حقيبتيّ الداخلية والعدل. وهي كلها لا تزال عالقة في خرم الخلافات بين رئيس الجمهورية ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلف من جهة أخرى.
حتى الآن، يؤكد أحد المواكبين لمشاورات التأليف، أنّ الإصرار الفرنسي على حلّ الأحجيات اللبنانية، لم يصل بعد إلى مربّع الأمان، حيث لا تزال العقد الحكومية الثلاث، قائمة من دون أي معالجة، على الرغم من أن بعض التسريبات التي توالت خلال الساعات بيّنت وكأنّ هناك محاولة من جانب باريس لتوسيع الحكومة تلبية لمطالب رئيس الجمهورية، بالتوازي مع العمل على معالجة اشكالية حقيبتيّ العدل والداخلية.
إلّا أنّ ما أعلنه مصدر في الإليزيه إلى “سكاي نيوز عربية” حول أنّ “ماكرون لن يزور لبنان ما لم تتقدم الأمور في البلاد، ويتم تشكيل حكومة”، ينذر بأنّ المصاعب لا تزال عالقة، وجلّ ما تحاول الرئاسة الفرنسية من خلال ربط الزيارة بولادة الحكومة، هو الضغط على القوى اللبنانية لتليين موقفها من الملف الحكومي، الذي لا يزال، وفق المواكبين، في محله!
يؤكد المواكبون أنّ محاولة باريس لا تزال في بدايتها، وثمة قناعة لدى أكثر من طرف داخلي، بأنّ الظروف الدولية لم تنضج بعد لوضع الملف الحكومي على نار حامية ولو أنّ بعض “الحريريين” يجزمون بأنّ مراسيمها قد تولد قبل نهاية الشهر. لكن في المقابل، ثمة من يدرك أنّ المبادرة الفرنسية لا تزال تحتاج إلى ليونة في الموقف السعودي، وهي غير متوفرة حتى الآن، كما ينقصها قبول الفريق العوني وهي مسألة صعبة التحقيق بعدما تأكد أنّ هذا الفريق يخوض معركة مصيرية لا يبدي فيها أي تساهل، وقد لا تنفع معها مونة حليف “تفاهم مار مخايل”، كيف اذا كانت العلاقة مع هذا الحليف يشوبها الارباك والخلاف!
ويضيف هؤلاء أنّ الاتصال الذي أجراه الحريري بحليفه العتيق، رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، يثبت بما لا يقبل الشكّ بأنّ المشاورات العابرة للقارات، لم تشهد أي تطور، على خلاف ما يتمّ التسويق له وتحديداً من جانب العونيين الذين يتحدثون عن توسيع الحكومة. ذلك لأنّ المواكبين يجزمون بأنّ رئيس الحكومة المكلف لم يفاتح رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” بأي تفاصيل مرتبطة بالملف الحكومي، لا بل كان البحث عمومياً لم يأت لا من قريب أو من بعيد على ذكر عدد وزراء الحكومة أو تركيبتها.
في الواقع، فإنّ الرسم البياني لمواقف وليد جنبلاط يظهر بأنّ الرجل لا يبدي حماسة لترؤس الحريري آخر حكومات عهد ميشال عون، وهو المقتنع بأنّ الفشل سيكون من نصيبها، ومع ذلك يحاذر الوقوف على ضفّة المعارضة أو الاعتراض المتشدد، ويفضل أن يراعي خصوصية الظرف وصعوبته ويساند الحريري حتى لو كانت مهمته انتحارية.
ويشير هؤلاء إلى أنّ تغريدة جنبلاط الأخيرة حول الثلث المعطّل، حين سأل “هل العشاء فتح الطريق للذهاب الى المريخ للتخلص من جليد الثلث المعطل؟” لا تعني أبداً أنّ العهد قرر التراجع في هذا المجال، لا هي محاولة من جانب رئيس “الحزب التقدمي” للضغط في الاتجاه المعاكس… لعل وعسى!
بالنتيجة، لم تتجاوز المحاولة الفرنسية الثالثة، حواجز الخلافات، وكل ما حاول الحريري القيام به خلال الساعات الأخيرة من خلال جولة الاتصالات التي قام بها مع بعض القوى المحلية، هو من باب تحصين موقفه الداخلي، بانتظار أن تقود باريس جولة مشاورات اقليمية من شأنها العمل على رفع العقبات من أمام ولادة الحكومة.