يعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه أنه سجّل بعض النجاح في لبنان نتيجة ولادة الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي ما قد يفتح أفق الحلّ.
لا شكّ ان فرنسا ليست “كاريتاس” لتقدّم هدايا مجانية إلى دول العالم ومن ضمنها لبنان، لكن العاطفة الفرنسية تجاه بلاد الأرز واضحة جداً رغم أنها مشروطة هذه المرّة. وقبل اعتذار الرئيس سعد الحريري، سجّل ماكرون عتباً شديداً على الحريري إذ اعتبر أنه احد المعرقلين ويجب أن يتحدّث مع الجميع لإنقاذ البلاد ومن بينهم رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، لكن الحريري أكمل في عناده وخسر الدعم الفرنسي وظنّ نفسه أنه رئيس مكلّف إلى أبد الآبدين.
وبالأمس أطلّ الرئيس ميقاتي من الإليزيه، وهو المكان الذي كان يعتبر بمثابة “بيت” أو “دعامة” لآل الحريري وقد حظي باهتمام بالغ من الرئيس ماكرون.
والجدير ذكره أنه بعد إنسداد الأفق في وجه الحريري، نصحه ماكرون أكثر من مرّة بالإعتذار لأن مصير البلد في خطر، وبعد تنحي الحريري، شارك ماكرون في تزكية ميقاتي، لا بل كان من أكثر المتحمسين له.
لا شكّ ان زيارة ميقاتي الباريسية كانت محط إهتمام في لبنان لأن باريس هي من تحاول رعاية الطبقة السياسية الحالية رغم فسادها وتريد إخراج لبنان من أزمته عبرها، ورغم التأخر أكثر من سنة لتأليف حكومة، إلا أن الأمل الفرنسي بإحداث خرق لا يزال موجوداً.
تحدّث ماكرون بعبارات واضحة، ووضع ميقاتي أمام مسؤولية تاريخية ودعاه إلى تطبيق خريطة الطريق الفرنسية للإصلاح ومكافحة الفساد والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، واعداً بالمساعدة في البنى التحتية وملف الطاقة ودعم التحقيق في إنفجار المرفأ وعدم التخلي عن لبنان.
والصدمة بالنسبة إلى الشعب هي ما عبّر عنه ماكرون في معرض توجهه لميقاتي قائلاً: إننا سنفعل ما بوسعنا لكي يقف المجتمع الدولي إلى جانبكم في هذا الطريق، طريق الطموح والإصرار. إنه طموح تتشاركونه مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكل القادة السياسيين اللبنانيين. واللافت في ردّ ميقاتي هو تأكيد الإلتزام بما طلبه الرئيس الفرنسي والمباشرة بالإصلاحات ومحاربة الفساد بالتعاون مع عون والبرلمان والقيام بخطوات ضرورية لإنعاش الإقتصاد وإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها.
قد يكون ماكرون صادقاً في طلباته ووعوده، ولفرنسا وقفات كثيرة إلى جانب لبنان، قبل انفجار المرفأ وبعده، لكن الرئيس الفرنسي تعامل مع الطبقة السياسية الحالية والتقاها في قصر الصنوبر وغدرت به وبالشعب اللبناني، والواقعية تفرض عليه عدم الرهان على هذه الطبقة لإجراء إصلاحات لأن هذه الإصلاحات تعني ضرب “مافيا” السلطة والقضاء على شبكة مصالحها، فكيف يمكن لرئيس فرنسا ان يراهن على عون وبري وميقاتي ويشيد بهم؟
ولو سلّمنا جدلاً أن ميقاتي صادق أيضاً، رغم إتهامه بملفات كثيرة منها “الإسكان” ووزارة الأشغال، إلاّ أن العقبات أمامه ستظهر في أول جلسة لمجلس الوزراء خصوصاً عندما يصطدم بقرارات تتناقض مع مصالح القوى الحاكمة، والكلام عن أنه وعون والبرلمان سيباشرون الإصلاح يطرح أكثر من علامة إستفهام خصوصاً أن وزراء عون استلموا ملف الطاقة منذ 12 عاماً والبلاد تغرق في العتمة، والكهرباء راكمت العجز حتى انفجر الوضع، في حين ان “حزب الله” غير راضٍ على التسليم بشروط صندوق النقد الدولي.
لم تتغير السياسة الفرنسية كثيراً منذ زيارة ماكرون الشهيرة بعد انفجار 4 آب، كذلك لم تتبدّل تصرفات الطبقة السياسية اللبنانية التي استمرت بقهر شعبها وتجويعه، لذلك فان لقاء باريس هو كلام بكلام ووعود بوعود إلا إذا لمس الشعب اللبناني أن هناك شيئاً ما تغير على الأرض، وهذا مستحيل مع هؤلاء الحكّام.