بات المرشح “الكاريزماتي” الشاب إيمانويل ماكرون قابَ قوسين أو أدنى من أبواب قصر الإليزيه، بعدما حصل أمس على نحو 24 في المئة من أصوات الفرنسيين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، متقدّماً على زعيمة الجبهة الوطنية لوبن (48 عاماً) التي نالت ما بين 21,8 إلى 22 في المئة من الأصوات حسب النتائج الأولية، والتي باتت أمام تحدٍّ صعب بعد تكتّل الطبقة السياسية ضدّها والتفافِها حول ماكرون.
نجَح وزير الاقتصاد السابق (2014-2016) الحديث العهد بالعمل السياسي في فرضِ نفسِه بقوّة على الساحة السياسية الفرنسية، وحقّق شعبيتَه على أساس رفضِ الأحزاب التقليدية، والرغبة في التجديد، التي عبّر عنها الفرنسيون، محدّداً توجّه حركتِه “إلى الأمام!” بأنّه “ليس من اليمين ولا من اليسار”.
فقوّة ماكرون تكمن في خطابه “الحداثي والعصري” المناهض لـ”الإستبلشمنت الحاكم”، في نظر الباحث في مركز الأبحاث الاستراتيجية في باريس، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور غسان العزي.
ويقول العزي في اتّصال هاتفي مع “الجمهورية” من باريس: “إنّ ماكرون سيكون رئيس جمهورية فرنسا المقبل، وعَد بأنّه لن يعيّن في فريقه في حال فوزه أيّاً من الطبقة السياسية الحاكمة، ويريد إحداثَ تغيير، لذلك التفَّت حوله مجموعة من المثقفين، وعدد من الوزارء الاشتراكيين السابقين”.
فالمرشح الشاب المؤيّد لأوروبا، استطاع أن يجمع بين البقاء في الخط الوسطي لليسار، وتأييد العولمة، ولم يطرح أيّ موقف يثير الخوفَ خلال حملته الانتخابية.
أمّا الخلاصة الثانية التي استشفَّها العزي من نتائج انتخابات الدورة الأولى أنّ الحزب الاشتراكي قد انتهى. ويقول: “لقد قتَل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الحزب الاشتراكي بممارسته”، متسائلاً: “هل من المعقول أن يحصل، بنوا آمون، مرشح حزب فرنسوا ميتران الاشتراكي على 6 في المئة فقط من الأصوات، في حين حصَل مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون على ما بين (19,5-20 في المئة) من الأصوات؟ “
واللافت في هذه الانتخابات أنّه لم يكن لدى الفرنسيون خيار، فـ”أصواتهم تشَرذمت، ولم يكن هناك كتلة وازنة مِثل الديغوليين والاشتراكيين”.
ويقول العزي: “إنّ مرشح اليمين فرنسوا فيون الذي جاءت نتيجته (19-20,3 في المئة ) متقاربة جداً مع نتيجة ميلانشون، كانت حظوظه قوية لولا الفضائح المتتالية التي لاحقَته. وعلى رغم ذلك، حلّ ثالثاً، وحتى داخل الحزب الاشتراكي نجد نزعةً تتّجه نحو اليمين”.
وفي نظر العزي، إنّ مشكلة ماكرون تتمثّل في عدمِ امتلاكه لغالبيةٍ برلمانية وليس لديه حزب، وبالتالي هو سيَحتاج إلى دعم الحزب الاشتراكي. ويتابع: “ماكرون أعلن أنّه لا يمين ولا يسار، لكنّ برنامجه نفسه برنامج الحزب الاشتراكي ولكن معدّلاً”.
وعلى رغم التهويل من تداعيات اعتداء الشانزيليزيه، الذي تبنّاه تنظيم “داعش” على نتائج الانتخابات، إلّا أنّ الفرنسيين واصَلوا حياتهم بطريقة عادية، ولم يتسبّب لهم ذلك بصدمة نفسية، وهذه العملية الإرهابية لم تكسِب لوبن سوى نصفِ نقطة فقط في الاستطلاعات، في حين لم يَذكر ماكرون الإرهاب في برنامجه.
ويقول العزي: “إنّ ذهابَ اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية في فرنسا بات أمراً طبيعياً، فلوبن قاعدتُها معروفة وشعبيتُها منذ 2001 حتى اليوم في تصاعُد، وكأنّ الصراع بات خارج لوبن، وأضحى بين فيون وماكرون”.
وبدا جليّاً من تصويت الفرنسيين أنّهم صوّتوا لمرشحين مؤيّدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، على رغم شبح البريكست في بريطانيا ووصول دونالد ترامب إلى السلطة في واشنطن، في حين اعتبَر مستشار حزب “الجبهة الوطنية” إيلي حاتم في اتّصال هاتفي مع “الجمهورية” من باريس أنّ الأصوات التي حصَل عليها ميلانشون المرشح المناهض أيضاً لبقاء فرنسا في الاتحاد الاوروبي، ستَدفع هؤلاء الفرنسيين إلى أن يصوّتوا للوبن.
ويبدو حاتم متفائلاً بفوز لوبن في الدورة الثانية. ويقول: “إنّ الأصوات لا يملكها السياسيون، فالشعب الفرنسي يحبّ التصويت للضحيّة، وماكرون الذي قام حملتَه على أساس أنّه ضد “الإستبلشمنت” المؤسسة الحاكمة، التفَّت الطبقة السياسية حوله”.
وفي المحصّلة، يبدو أنّ فرنسا قد تشهد سيناريو مماثلاً لِما شهدته انتخابات 2002، حين هزَم الرئيس السابق جاك شيراك والدَ مارين لوبن في الدورة الثانية، فهل ستُلاحق هذه اللعنة الإبنة؟