Site icon IMLebanon

ماكرون «سيترحَّم» على ترامب!

 

ماذا سيفعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما أوصله طاقم السلطة اللبناني إلى «سِنّ اليأس»؟ هل أدرك ماكرون أخيراً أنّ هذا الطاقم «لا يمشي» بالحوار بل بالضغط والعقوبات، كما كان يقول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؟ وتالياً، هل تشاء الأقدار أن يُمضي ماكرون سنوات معاكساً لنهج ترامب، ثم يصبح من المتحمّسين له، بعد أسابيع قليلة من رحيله عن البيت الأبيض؟

عندما وصل ماكرون إلى الإيليزيه، في أيار 2017، كان قد سبقه ترامب المثير للجدل إلى البيت الأبيض، قبل 5 أشهر. ومِن أَقدار ماكرون أنّ عهدَه طُبِع بالكامل بطابع التجاذب مع ترامب، فيما كان كثيرون يتوقعون أن ينسجم الرجلان بسبب كونهما، على المستوى الفكري، متحمسين لليبرالية الاقتصادية.

 

واعتقد البعض أنّ العلاقات الفرنسية- الأميركية ستبلغ مع الرجلين عهدها الذهبي، ولكن حصل العكس. فقد تمسّك ماكرون بالنهج الاستقلالي الذي كرَّسه الفرنسيون داخل أوروبا منذ عهد الرئيس شارل ديغول منتصف القرن الفائت، ولم يدعم واشنطن في علاقاتها المتوترة مع والصين وإيران وروسيا.

 

وقبل عامين، وقع اصطدام مباشر بين الرجلين، عندما دعا ماكرون إلى بناء جيش أوروبي يحمي القارة العجوز، فردَّ عليه ترامب بالقول: «تنادون بالاستقلالية. ولكن، عليكم أن تشكرونا. فعلى مدى عقود، تكبَّدنا الكثير للدفاع عنكم». وفي مناخ التهكُّم على ماكرون وشعبيته، كان الرئيس الفرنسي ينشغل بمواجهة «السترات الصفر» في الشارع.

 

كان ترامب يتّهم الأوروبيين، والفرنسيين والألمان خصوصاً، بأنّهم يساهمون في إفشال الحصار الأميركي على إيران بشراء النفط منها بطريقة المقايضة. وهم لم ينسحبوا من الاتفاق النووي، وتأخّروا كثيراً في تصنيف الجناح العسكري في «حزب الله» إرهابياً. وأما في لبنان، فقد ظهر التباين دائماً.

 

عند وصوله إلى البيت الأبيض، طلب ترامب من حلفاء الولايات المتحدة أن يشاركوه الحصار على طاقم السلطة في لبنان، ولاسيما «حزب الله». ويعني ذلك حجب المساعدات التي أقرَّها مؤتمر «سيدر» في باريس عام 2018، إلى أن يلتزم هذا الطاقم بالإصلاح، ولاسيما لجهة فكّ ارتباط لبنان بالنفوذ الإيراني.

 

حاول الفرنسيون أن يضطلعوا بدور تسووي في بيروت، ولكن عبثاً، لأنّ الإصلاح يعني نهاية طاقم السلطة. وعند انفجار الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، شكّل الفرنسيون والأميركيون والبريطانيون خلية عمل على مستوى المدراء في الخارجية لإيجاد تسوية. وشكا الأميركيون دائماً من أنّ فرنسا أحبطت دائماً جهودهم، لأنّها رفضت السير في خط العقوبات.

 

وبعد انفجار المرفأ في آب الفائت، ظنّ ماكرون أنّ الصدمة ستكون كافية للتغيير. وخلال زيارته الأولى للبنان، حصل من أركان السلطة على وعودٍ بالانصياع للإصلاحات. وفي المقابل، هدّدهم بالعقوبات على الطريقة الأميركية إذا لم يفعلوا.

 

ولكن، في الحقيقة، كان هؤلاء يكسبون الوقت لتمرير الانتخابات الأميركية في الخريف، ويراهنون على رحيل ترامب في كانون الثاني. وفي العمق، تشارَكَ الفرنسي مع الإيراني هذا الرهان، كل من زاويته.

 

بالنسبة إلى باريس، لبنان هو موطئ قدمها الأهم في الشرق الأوسط. ويدعم الأميركيون دور فرنسا، ما دام تحت مظلّتهم الكبرى. ومع وصول جو بايدن، بدا ماكرون وكأنّه كسب الرهان في البيت الأبيض. ومنذ اللحظة الأولى، ظهر التقارب في المفاهيم بين الرجلين، وجرى التنسيق حول لبنان. لكن المبادرة الفرنسية بقيت تُراوح مكانها. لماذا؟

 

لأنّ لا إيران حصلت على الثمن اللازم كي تتنازل، ولا الولايات المتحدة، ولأنّ فرنسا لا تمتلك الثمن الذي يطلبه أي من الطرفين. ولذلك، لا يبدو بايدن مستعجلاً في الشرق الأوسط، ولا طهران. وأما المستعجل فعلاً اليوم فهو ماكرون، الذي يخشى أن تُعقد الصفقات في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المنطقة وفرنسا خارجها. كما أنّ ماكرون يسابق الوقت شخصياً قبل عام واحد من انتهاء ولايته.

 

اكتشف ماكرون مجدداً، أنّ انتظار التغيير في البيت الأبيض لم يكن في محله لتحقيق خرق في لبنان. فلم يبقَ أمامه سوى أسلوب الضغط والتلويح بعقوبات فرنسية على الطريقة الأميركية. وفي الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أثار الوزير جان إيف لودريان هذه المسألة، طالباً التغطية الأوروبية للموقف الفرنسي.

 

وقد تتبلور مواقف الأوروبيين إزاء الملف في القمة المقرَّرة يومي الخميس والجمعة المقبلين. لكن التوافق الأوروبي على عقوبات ما زال غير ناضج حالياً. أولاً، بسبب التفاوت في نظرة كل عضوٍ إلى الملف الإيراني وطبيعة علاقاته ومصالحه مع الولايات المتحدة. وثانياً، بسبب رغبة ماكرون في الاحتفاظ بعلاقات مقبولة مع إيران و»حزب الله» أياً تكن الظروف.

 

يدرك الإيرانيون، أنّ تلويح ماكرون بالعقوبات في لبنان ليس جدّياً حتى الآن، وأنّ هدفه الدفع نحو الحل، لا أكثر. ويعتقدون أنّ الرجل لن يشارك واشنطن عقوباتها في زمن بايدن بعدما تجنَّبها في زمن ترامب. ويعرف الإيرانيون، أنّ لديهم هامشاً واسعاً من التحرُّك ولا يستعجلون التنازل في لبنان.

 

إلاّ أنّ عامل الوقت يضغط على الجميع، وخصوصاً على ماكرون الذي يستعد لدخول العام الأخير من ولايته، كما تركيبة الحكم كلها في لبنان. وإزاء هذا المأزق، قد يجد ماكرون نفسه أمام حتمية التنسيق مع واشنطن لفرض العقوبات وإحداث خرق في المستنقع اللبناني.

 

ولكن، هل يتجّه بايدن إلى العقوبات في لبنان أم إلى التراخي وتكريس «ستاتيكو» مرحلي، لأنّ أولوياته هي الصين وروسيا، ثم إيران؟

 

البعض يعتقد أنّ ماكرون ربما يندم على «المكابرة» في التعاطي مع العقوبات الأميركية، عندما كانت مطروحة بقوة، وقد «يترحَّم» على زمن ترامب ولو أنّه مرتاح «نفسياً» مع بايدن!