IMLebanon

«جنون البقر»!

 يؤكد الروائي اللبناني أمين معلوف، في روايته صخرة طانيوس «أن المجنون واحد من رموز أي قرية أو حي أو ضيعة جبلية نائية، تماماً كرجل الدين، وكأن المدينة أو القرية أو الضيعة أو الحي بحاجة إلى المجنون»، وبما أنّنا كشعب «انمعسنا» من صخرة الجنون التي تمرّ علينا يوميّاً في هذه المرحلة، وبما أنّه «دايرة بالبلد» جنّونة كبرى، هي أشبهُ بلوثة «جنون البقر»، وأهون الشّرور للتعاطي مع هذه الحال، هو تناولها بقفازات علم البلاغة والبديع، الذي يُضطرّ الكاتب أحياناً للاستعانة به من حين إلى آخر، وهذا ليس عيباً في حريّة الكتابة بل قائم بحدّ ذاته أفضل من مثّله عبر التاريخ «عبدالله بن المقفّع» في كتابه «كليلة ودمنة» وحكايات الملك «دبشليم»، وبما أنّ «الدّبش» هو لغة البعض السائدة هاليومين، فإنّنا سنتعامل مع «دبشليم» لبنان بأسلوب إبن المقفّع…

»لكلِّ داءٍ دواءٌ يُستطبّ به/ إلا الحماقة أعيَتْ من يداويها» [أبو الطيب المتنبي]، وداء لبنان «الحمقى» وقد بلغت بهم الحماقة حدّ الجنون المصحوب بالسفاهة، ويأنف العقلاءُ من مُشابهةِ المجانين؛ والحكماء يخالفون دوماً سُبل السفهاء، وقد قيل لأحد العقلاء: ممن تعلّمت الحكمة؟ فقال: أرى أفعال السفهاء فأتجنبها، وقيل لآخر: ممن تعلّمت الأدب؟ فقال: من قليل الأدب. ويُبالغُ بعض الناس حتى يكره سلوكَ طريقٍ يستخدمه لئامٌ، فالكريمُ ليس كالدنيء؛ والمتأني لا يأنس بالمتهوّر!!

ويستطيع القارئ أن يُسقط المقال على من يشاء، ثمّة لعبة «أنترنتيّة» اسمها «مستشفى المجانين» تنطبق على حال لبنان وشعبه الذي ليس له «لا في العير ولا النفير»، وتختصر اللعبة حال المواطن اللبناني فتشرح نفسها باختصار: «أنت مريض في مستشفى المجانين وتسعى للهرب من خلال الأبواب الخفية، ابحث عن المفاتيح وافتح الأبواب للهروب»، مع فارق واحد لا مفاتيح للهرب من لبنان ولا أبواب خفيّة، فأبوابه كلّها مشرّعة على الجنون!!

ثمّة حال «نُباحيّة» مجنونة أتعبت اللبنانيين، وثمّة «عنترة» يتخيّل أصحابها أنّها «زئير الأسد» في غابة، مع أنّها ينطبق عليها قول الشّاعر: «أما ترى الأُسْدَ تخشى وهي صامتةٌ/ والكلبُ يخزى لعمر الله نبّاح»، والمؤسف أنّ هذه الحال «النُباحيّة» بلغ أدنى درجات السّفاهة في تخريب البلاد، «أعرض عن الجاهل السفيه/ فكلُّ ما قاله فهو فيهِ»، ويقول الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: «لو كل كلب عوي ألقمته حجراً / لصار الصخرُ مثقال بدينار»، أو كقول آخر: «ولقد أمر علي اللئيم يسبُّني/ فمضيتُ ثمّ قلتُ لا يعنيني»…

وتنطبق على حال الساكت الأكبر في هذه المرحلة والذي يتعرّض لهجمة شرسة وتشنيع وأذىً مباشر، في استهداف لأهم المؤسسات الوطنية اللبنانية وآخر قلاعها، أبيات الشاعر إيليا أبي ماضي: «لمّا سكتُّ حسبتَ أنك ناجِ/ هيهاتَ إني كالمَنونِ أفاجي/ إنْ كان داخلكَ الغرورُ فإنه/ ما انفكّ في البُسطاءِ والسُّذاجِ/ حاولتَ أن تهتاجني عن مربضي/ لتنالَ ذِكراً، خِبْتَ يا ذا الرّاجي/ عارٌ إذا أنشبتُ فيك مَخالبي/ إذ ليس من خُلقي افتراسُ نِعاجِ/ قد كنتُ أزهدُ في الهِجا لو لم يكنْ/ لك يا مريضَ العُجبِ خيرَ علاجِ»…

وقد يكون أفضل ما نختم به مقالتنا التي استعارت «التورية والكناية» لإيصال ما تريد إيصاله، هاذين البيْتيْن للشاعر الشعبي

»والله لئن لم تنتهِ/ لدعوتُ الله أن يبتليكَ بأربعٍ/ فأسٌ ومَقْطفٌ وقُفةٌ/ ثمّ على ظهركِ بَرْدعُ»، وإنّا والله لندعو ليل نهار أن يُريحنا من هذا الذي لا ينتهي، فيأخذ «أمانته» وإنّ اللبنانيين ليقولُنّ فيه: «مُستراحٌ منه… وليس بمستريح»!