كل الاستعراض السياسي المستقبلي والتضامن اللفظي مع السعودية ليسا كافيين في مرحلة “الحرب المفتوحة” التي أعلنتها على حزب الله. تريد الرياض من حلفائها ما قد لا تكون لهم طاقة على القيام به
أخذ الرئيس سعد الحريري “روحاً” في طريق الجديدة أمس. بدا منتشياً بهتافات الأنصار في معقل “الفهود”، بعد سنوات من الشحّ المالي وانقطاع التواصل. استنسخ، بعناية فائقة، ما كان يفعله والده الرئيس رفيق الحريري: اعتلى ظهر سيارته، ورفع قبضتيه ملوّحاً للجماهير التي يحاول لملمتها، من طرابلس إلى بيروت، تماماً كما يحاول الإثبات للرياض قدراته القيادية وزعامته التي تؤهله للاندراج في مشروع المواجهة السعودي. ولكن، هل تكتفي المملكة بذلك؟
مصادر مستقبلية تؤكد أن «الشيخ سعد يشعر بأنه محصور في الزاوية»، بعدما «تبلّغ من المعنيين في المملكة أنها لا تريد تعاطفاً ولا بيانات شاعرية». فالعريضة المليونية التي أطلقها من بيت الوسط، «لم ترَ فيها السعودية إلا استعراضاً لا يرقى إلى مستوى العمل السياسي على الأرض». وتضيف: «الرياض ليست راضية عن أداء تيار المستقبل وزعيمه بعدما أخفق في الضغط على رئيس الحكومة تمام سلام حتى في إصدار بيان حكومي مؤيد للمملكة». وهو قبل ذلك، وعلى مدار السنوات الماضية، لم يُقدّم سوى تغريدات وبيانات ضد الحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله، وعجز عن انتزاع أي التزام منه في حوار عين التينة، كذلك عجز عن انتزاع موقف رسمي مؤيد للرياض في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة ومنظمة المؤتمر الإسلامي في جدّة. المصادر المستقبلية المطلعة، و«المقتنعة بأن السعودية ذاهبة نحو مزيد من التصعيد، لن تتوانى عن صرفه في كل الساحات، بما فيها لبنان»، تكشف عن «استياء سعودي كبير» لوجود «شعور بأن الحريري غرّر بالمملكة حين اقترح دعم النائب سليمان فرنجية للرئاسة، مستنداً إلى أن حزب الله لن يرفض عرضاً كهذا». وزاد من هذا الاستياء «أن السعوديين، حين حاولوا التطرق مع الإيرانيين إلى الملف اللبناني، بوساطة روسية، كان رد طهران: لا شيء لنبحثه. الأسماء المطروحة للرئاسة هي من فريق الثامن من آذار، والأمر سيان بالنسبة إلينا أياً يكُن الاسم الذي سيصل».
كان من المقرر أن يغادر الحريري إلى الرياض أمس للاستيضاح عن التصعيد
هذا كله، معطوفاً على التراجع الميداني لحلفائها في سوريا، جعل المملكة «تفقد بعض عقلانيتها وحكمتها»، ولم تعد ترى سوى أن أمنها القومي والاستراتيجي يحتّم عليها مواجهة إيران في كل الساحات، ومن بينها لبنان. وليس عابراً، في هذا السياق، تصريح مستشار وزير الدفاع السعودي أحمد عسيري، بـ «أننا نحترم سيادة لبنان، ولكن متى اقتضت الضرورة سيتم استهداف أي تنظيمات تشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي». بحسب المصادر، بدأت السعودية تتعاطى مع المنطقة كساحة واحدة «من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان». وهي لم تعد تنظر إلى لبنان كساحة ربط نزاع، بل ساحة صراع، حتى ولو أدى ذلك إلى «فرط الحكومة والحوار، والوقوف في وجه حزب الله عسكرياً». لذلك، إن عدّة المواجهة المطلوبة تتخطى اللعب على الكلام والحج إلى السفارة والبيانات والتغريدات. لكن، هل في استطاعة تيار المستقبل مجاراة كل هذا الجنون؟
علامات استفهام كثيرة تُطرح داخل المستقبل عمّا هو مطلوب من التيار فعله «حرفياً» في مرحلة الحرب المفتوحة التي أعلنتها الرياض على حزب الله. وبسبب هذه الحيرة «كان من المُقرّر أن يغادر الحريري لبنان إلى الرياض أمس، لاستيضاح الأمر»، قبل أن يقرر إرجاء الزيارة في انتظار عودة الرئيس نبيه برّي من بلجيكا، بحسب ما علمت «الأخبار».
مصادر المستقبل تشير إلى أن الحريري «لا يملك وسيلة سوى التضامن اللفظي والاستعراض السياسي»، معتمداً على تقدير الرياض «بأن خيار قلب الطاولة والذهاب نحو خيار المواجهة في الشارع أمر غير منطقي وغير مُمكن بسبب موازين القوى على الأرض». هذه الموازين التي كرستها «أحداث 7 أيار عام 2008، مع كل الدعم المالي الذي كان يتلقاه الحريري. فكيف الآن، وهو العائد إلى ساحة خاوية إلا من بعض العواطف التي لن يستطيع معها تحريك الشارع».
التصعيد السعودي المتواصل يبدو انه ليس إلا «أول الغيث»، أو بداية «الآتي الأعظم» الذي بشّر به وزير الداخلية نهاد المشنوق، في معركة لم تُعد تنفع فيها «التبعية الشكلية» و«خلع السترات فوق المنابر»، بل تتطلّب «تشميراً عن الزنود». فهل يجرؤ تيار المستقبل؟