البلد في حال جنون عامّة، وإلا بماذا نُفسّر موجة التصريحات السورياليّة التي ضربت لبنان منذ ان انتشرت فيه تلك «الرائحة» من بيروت إلى كافّة الأرجاء الساحلية، والمضحك المبكي هذه الهزليّة التي تجلّت في تضارب التصريحات، واللبنانيون أشبه بشعب من كرتون قتلته البلاده والتكاذب اليومي واستسلم لحال شللٍ تضربه على كافة المستويات، فلم يعد يُحرّكه شيء ولا يهزّه شيء، «جنّونة» صامتة لكنّها لا تشبه أبداً هدوء ما قبل العاصفة!!
مشهد حرب تناتش «انتصار» دخول ميشال سماحة إلى السجن، «مروّع»، المقالات المتضاربة من هنا وهناك عن «إعادة ترتيب البيت السُنّي» تدفع إلى البكاء، أي «بيت سُنّي» فيما الطائفة تتمزق من داخلها بين من يريد تكريسها طائفة الرأس الواحد، وهذا أمر لم يحدث عبر تاريخها، فطبيعتها متعددة تنادى فيها الرجالات لخير الطائفة، وهذا واحدٌ من أسباب حال تململ يجري تجاهلها وهذا أخطر ما في الأمر!!
ومشهد حديث رئيس لجنة الاتصالات والإعلام نائب حزب الله حسن فضل الله وهو يقدّم باقة الاقتراحات التي تداولتها اللجنة كلّها تؤدّي إلى هلاك كل القنوات اللبنانيّة من أجل إعادة المنار إلى فضاء العرب، بصوت منخفض ووجه مبتسم وحديث يجعل اللبناني يصل إلى البكاء من شدة الضحك عند الحديث عن سيادة لبنان والاعتداء على حرّياته!!
أمّا نظريّة نائب حزب الله محمد فنيش عن فضيحة «شى موريس» وشبكة تجارة الدعارة وتجارة البشر سببها الثورة السوريّة، كأنّه لم يقرأ إعلانات طلب فتيات «أبكار وثيبات» لمهمّة المتعة» الدينيّة «عند رأس الإمام الرضا» في مشهد، مع تفاصيل التسعيرة للبِكْر وفضّ البكارة!!
وعن تضارب التصريحات حدّث ولا حرج، وزير البيئة يُبلغ اللبنانيين عبر تويتر عن ضرورة استخدام الكمامات لعدم ابتلاع وتنشق البرغش والبعوض أو ابتلاعه، وتتناقل الأخبار أن عاصفة برغش تضرب لبنان كعاصفة رملية، أما وزير الصحة فيصدر عن وزارته بيان ينفي عاصفة البرغش ويؤكد أن البعوض والبرغش تكاثر فوق أماكن تواجد النفايات، ثم يأخذ وزير البيئة على خاطره من الشعب اللبناني والسخرية المرة التي انتابته من تغريدته، و»ألغى» صداقات على الفايسبوك ومتابعين على تويتر، وبرّر تصريحه بأنه طلب من الشعب وضع كمامات كما يفعلون في اليابان، متجاهلاً أن يفكّر قليلاً لو أنّه كان هو وزير البيئة في اليابان وضربتها أزمة النفايات التي ضربت لبنان ماذا كان اليابانيّون فعلوا به وبالحكومة التي وقعت في عهدها هذه المأساة، ولم نعرف إن كان معاليه وضع الكمّامة كما طلب من اللبنانيين أن يفعلوا!!
ومن سوريالية «الجنّونة» اللبنانية تصريح النائب محمد رعد الذي تباكى بالأمس على لبنان فقال: «الدولة غائبة في فضيحة الإنترنت غير الشرعي ولا تدري ما جرى، ولا أحد يعلم شيئاً. أمّا بالنسبة لقضية قوى الأمن الداخلي وقيام ضباط ورتباء بإختلاس المال العام، فإنّ القضاء سيقوم بالنهاية بمحاسبتهم، ورغم أنّنا نطمئن لبعض القضاة، ولكن في بلدنا ليس هناك قضاء»!!
هذه «جنّونة» كاملة الأوصاف، و»الحكيم» الوحيد في هذا العرض المستمر منذ أيام هو الصامت الأكبر الدكتور سمير جعجع، فهو يلتزم صمتاً أشبه بما ورد في (حديث مقطوع) «بَلَغَنَا أَنَّ الْحِكْمَةَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ : تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي الصَّمْتِ».
الفراغ يصنع المعجزات، لا أحد من القيادات المنغمسة في حفلة التصريحات هذه قادر على أن يقول بصدق للبنانيين نحن مجموعة «كذبة» ندّعي أنّنا نلعب دوراً فاعلاً في لبنان، نحن مجرّد «كومبارس» في لعبة تضييع الوقت في انتظار ما سيسفر عنه مؤتمر جنيڤ الثالث والوضع في سوريا ومصير بشار الأسد، وحش القرن الواحد والعشرين، كما وصفه العنوان الرئيسي على غلاف مجلة الــ TIME الأميركية، وفي هذه الأثناء مهمتنا أن نشاغل اللبنانيين ونغرقهم بمتاعب لا تنتهي!!
»الجنّونة» اللبنانيّة توجّها بالأمس النائب وليد جنبلاط في «تساليه» التي يلقيها في وجه اللبنانيين ممعناً في استغبائهم مواطناً مواطناً مع تغريدته البريئة التساؤل: «وهل ان المسؤولين في لبنان فوق الشبهات والتحريات مثلهم مثل التماسيح الكاسرة والدبب العابرة»، ذكرّني بكلمات خطابه الشهير «يا قرداً لم تعرفه الطبيعة»، من أيّ غابة ومن أين يأتي وليد جنبلاط بكلّ «مواصفات» الحيوانات التي يطلقها في خطاب أو تغريدة؟!
أما أهم لحظات «جنّونتنا» هذه فتكريم وزارة الثقافة لإحداهن من دون أن نعرف إسهاماتها في الحياة الثقافيّة والفكريّة، سوى انشغال الناس بمؤخرتها هل هي «طبيعيّة» أم «تركيب»، فيما منع الأمن العام دخول أوّل أسطوانة للفنان بشار مرسيل خليفة بسبب ترنيمة «كيري ياليْسون» لأنّها تمسّ بالذات الإلهيّة!! للمفارقة «كيري ياليْسون» كلمة يونانيّة الأصل تعني «يا ربّ إرحم»…