في بدايات المعركة الرئاسية الأميركية سأل فرانسيس فوكوياما في مقال نشرته فورين أفيرز: هل تخرج أميركا من نظام الفيتوكراسي الذي صار في فوضى؟ أي معنى لانتخابات ٢٠١٦: تفسّخ سياسي أم تجديد؟ الى متى يمكن تجاهل كون الناخبين ضد المؤسسة الفاسدة وسط تزايد اللامساواة والاستنفاع الاقتصادي؟ والسؤال، حسب الوقائع التي سردها، ليس لماذا صعدت الشعبوية بل لماذا تأخر صعودها حتى اليوم؟ والجواب الذي جاءت به صناديق الاقتراع هو دونالد ترامب الذي دفع فوزه بالرئاسة معظم قادة العالم الى قرع أجراس الانذار وجعل القلّة منهم تشعر بالارتياح.
ولا أحد يعرف الى أين يصل مدّ الشعبوية في أوروبا بعدما وصل الى البيت الأبيض. ولا ما الذي يستطيع الرئيس ترامب تغييره في السياسات الداخلية قبل السياسات الخارجية. ولا موقع الشرق الأوسط كله على أجندة الرئيس الجديد. لكن الواضح من ردود الفعل ان العالم ليس مستعدا للانعزال الأميركي عنه، وان كان يشكو من حجم الانتشار الأميركي. هكذا كان رد الفعل على استراتيجية الرئيس باراك أوباما الانسحاب الجزئي من الشرق الأوسط الى المحور في الشرق الأقصى، وسياسة القيادة من المقعد الخلفي. وهكذا يبدو الخوف والارتباك في كل مكان تقريبا بسبب الارتباك والغموض في واشنطن بعد فوز ترامب من دون أن تتبلور سياسته.
حتى الذين يشعرون بالارتياح لنجاح ترامب وسقوط هيلاري كلينتون صاحبة المواقف السياسية المعروفة والتي هي أوباما مع فساد وجشع للمال، فان عليهم ان يقلقوا. إذ ان سيّد البيت الأبيض الجديد رجل مفاجآت وانقلابات في المواقف. ففي مرحلة ما من حرب فيتنام وخلال المفاوضات على السلام بين الدكتور هنري كيسينجر والمسؤول الفيتنامي الشمالي لي دوك تو استخدم مستشار الأمن القومي الأميركي سياسة الرجل المجنون. كان يحاول ابتزاز المسؤول الفيتنامي ودفعه الى تقديم التنازلات بالادعاء ان الرئيس ريتشارد نيكسون الذي أرسله رجل مجنون لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يفعل. ولن يتورّع عن قصف هانوي بالسلاح النووي.
اليوم لا حاجة الى النظرية. فالرئيس الآتي الى البيت الأبيض تصرّف في الحملة الانتخابية كمجنون بالفعل. وهو تحدث عن سياسات جنونية يريد تطبيقها: من منع المسلمين من دخول أميركا الى بناء جدار مع المكسيك على نفقة المكسيكيين. ومن تمزيق الاتفاق النووي الايراني مع انه ليس اتفاقا ثنائيا بل بين ايران ومجموعة ٥١ كما جرى تبنّيه بقرار في مجلس الأمن الدولي الى طرد ملايين المهاجرين غير الشرعيين ومعاقبة الدول التي ترفض استقبالهم.
وحين تجنّ أميركا القوة العظمى، فانها تجعل العالم عصفورية.