IMLebanon

جنون «داعش»… سيناريو الجنوب

لم يكن أحد في المنطقة العربية يتخيّل أن تجترح قمة نواكشوط حلولاً سحرية عاجلة، تستأصل أمراضنا وترمّم مناعتنا، وتتصدى لاستباحة العالم العربي والتهام خرائطه وتفخيخ حدوده.

نحن المستباحين يمكننا أن نطوّر لائحة أصحاب الأطماع والهيمنة، ومروّجي الفتن، وأن نحصي دولاً وتنظيمات وميليشيات، ومجانين، ونترحّم على الحرب الباردة، رغم انقسام العرب في تلك الحقبة معسكرين.

– ألا يستبيح قيصر الكرملين أرض سورية وسماءها ومياهها، متستّراً بورقة الحرب على الإرهاب، لتشجيع إرهاب آخر حصد حوالى أربعمئة ألف قتيل في البلد المنكوب؟

– ألا تستبيح إيران المرشد سورية، بميليشياتها ومستشاري الفتنة، وتصرّ على تطويق السعودية من اليمن، وإذلال اليمنيين بتعنّت الحوثيين؟ ألم تستبح طهران استقرار البحرين بالتحريض على المذهبية، وتجرّ العراق إلى جحيم الطائفية، وتستولد الفراغ في المؤسسات اللبنانية الدستورية؟

– ألم يستبح صمت باراك أوباما وعجزه، حقوق العرب كبشر، ويحرّض الروس على مزيد من التمادي في المنطقة لتصبح رهينة إلى أن تحين ساعة يالطا جديدة لاقتسام النفوذ؟ كم حرباً ستشتعل رغم العرب، حتى تحل لحظة الصفقات الكبرى بين واشنطن وموسكو؟

نحن المستباحين، في عالم العنف المجنون والإرهاب العابر للقارات، هل كنا نتوهّم بأن تتمخّض قمة نواكشوط عن «معجزات» في ساعات يوم واحد؟

صحيح أن الإرهاب وسرطانه حازا حصة الأسد في معظم كلمات الوفود، لكنّ الصحيح أيضاً أن لا استراتيجية عربية موحّدة وفاعلة، تتصدّى للوباء. حتى إسرائيل، أمّ الإرهاب التي كانت أول الأعداء، بات لها منافس، يحاول اصطياد أمن العرب ويزعزع استقرار دولهم، وينخر في مجتمعاتهم ويستنزف ثرواتهم.

مع التطرُّف وأطماع إقليمية، هويتها معروفة، يتشجّع العنف لضرب استقرار دول الخليج فيما تعاني تراجع عائداتها النفطية، وهاجسها هاجسان: فلا حرب اليمن مرشحة لأن تضع أوزارها قريباً، خصوصاً نتيجة إصرار طهران على تحريك ورقة الحوثيين وتمرُّدهم وتعنُّتهم إزاء الشرعية وإعادة الدولة الرهينة… ولا إيران أثبتت ولو لمرة صدقية في تطبيع علاقاتها الخليجية، بدليل حملاتها المتكررة على السعودية والبحرين.

وفيما السعودية منهمكة بحرب اليمن، وحماية حدودها، والتصدي للإرهاب الذي ضرب أيضاً في الكويت، لا تزال مصر مرتبكة باحتواء وبائه في سيناء، وليبيا مستباحة لجنون «داعش» والانقسامات، والجزائر حائرة متوجّسة من مرحلة ما بعد بوتفليقة.

سورية، ونكبتها الكبرى المنسيّة لدى الكبار، إلا في حالات خجولة، حين يطل الأميركي للاطمئنان إلى حفظ الروس الحرب «الوديعة»، هل يجدي معها إصرار على الحل السياسي فيما النظام لا يكترث إلا لحلٍّ عسكري، تشجّعه إيران وميليشياتها، وضحايا الجنون باتوا مجرد أرقام لم تعد تثير لدى القوى الكبرى سوى الملل؟!

«داعش» ومعه الميليشيات و «الحشد الشعبي» كفيلة باستنزاف العراق شهوراً طويلة، وهناك حيث «الحشد» الرديف العراقي لـ «الحرس الثوري» الإيراني، بات أقوى من الجيش، مَنْ يجرؤ على التصدي للمستشار قاسم سليماني ونصائحه؟

لم يغب عن هواجس الوفود في قمة نواكشوط، أن حلقات «الحشد» تمدّدت في المنطقة العربية إلى خرائطها وكياناتها، وأن إرهاب «داعش» يغذّي سطوة الميليشيات التي تقضم مؤسسات الدولة، وتحاصر قبضة الجيوش الشرعية. لكنّ حال القمة التي لم تكن سعيدة في دوراتها السنوية لتُلام نواكشوط على «خيبة أمل»، تستحضر العقدة المزمنة: العرب يشخّصون المرض لكن العلّة في التوافق على الدواء، وإذا توافقوا على العلاج انقسموا على نقطة البداية، وإذا بدأوا حاروا في الطريق.

بعد كل ذلك، هل يكفي أن نضيف إلى لائحة الأعداء، الإرهاب بعد إسرائيل والديكتاتوريات؟ الأكيد أننا يجدر أن نضيف أصحاب الأطماع الخفية الذين يتسترون بالفتن المذهبية والطائفية لدى العرب، لتمرير مشاريع التفتيت والتقسيم.

والذين أخذوا السودان إلى محطة التقسيم، طمعاً بثرواته، اكتشفوا بعد مغادرة القطار، أن الجنوب لن يستقر إلا تحت إدارة دولية. وأمامه خياران: إما تدويل استعماره وإما المجازر والمجاعة.

السيناريو ذاته، يُتوقّع استنساخه لبؤر نزاعات عربية. فهل يكفي بكاؤنا على أطلال القمة؟