Site icon IMLebanon

مدريد 2 قيد التحضير؟

 

بمعزل عن النتائج السياسية والعسكرية التي يُتوقع أن تكون حاسمة لحرب التدمير والتهجير في غزة، ثمة استحقاق بالغ الأهمية لم يظهر بعد بحجمه الحقيقي، لكنه سيكون حيوياً لرسم مستقبل القطاع: مَن سيتكفّل بإعادة إعمار الآلاف من المساكن والمؤسسات والمرافق ومنشآت البنى التحتية التي باتت ركاماً؟ وكم عاماً ستستغرق هذه العملية؟

يوماً بعد يوم، يزداد الاقتناع بأنّ الإسرائيليين لن يوقفوا الحرب في غزة، قبل أن يحققوا على الأرض نتائج يمكنهم استثمارها سياسياً. وهذا يعني أنّ الحرب ستستمر لأسابيع إضافية على الأقل، إلى نهاية العام الجاري. ولكن، واقعياً، لا شيء يمنع إسرائيل من مواصلة الحرب شهوراً عدة في شكل استنزاف. فلا أحد في العالم يمارس عليها ضغوطاً حقيقية لوقف النار.

في الحروب التقليدية، تقوم الجيوش عادةً برسم خطط عسكرية تهدف إلى تحقيق السيطرة على مواقع العدو. وأما في غزة فلا يريد العقل اليميني والعسكري الإسرائيلي تنفيذ اجتياح تقليدي ينتهي باحتلال غزة، بل هو يفضّل الدخول في وضعية استنزاف، تتخلّلها عمليات قتل وتدمير وتهجير، تقود إلى تصحير القطاع، وإفراغه من أهله. وبعد ذلك، يصبح ممكناً فرض الحلول تحت ضغط الأمر الواقع.

في أي حال، لم تدع إسرائيل مجالاً لتحليل ما تريده في غزة. فهي نفسها، في الأيام الأولى من الحرب، بعثت برسالة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حملها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تطالب بفتح بوابة رفح لكي يتدفق الغزيون عبرها إلى سيناء.

وحتى اليوم، نزح جزء كبير من أهالي شمال غزة إلى جنوبها، حيث بدأ هؤلاء يتعرّضون لضغوط ستضعهم أمام خيار وحيد: الخروج إلى سيناء. وفي مرحلة لاحقة من الحرب، سيجد المصريون أنفسهم أمام معضلة شديدة الإحراج إنسانياً وسياسياً وأمنياً: هل يتركون المدنيين في مواجهة المصير القاسي أم يفتحون لهم البوابة لكي يدخلوا إلى مصر، بمن فيهم من مؤيدين لـ»حماس»، أي لـ»الإخوان المسلمين»؟

وهنا يبرز السؤال: هل يتعمّد بعض القوى الدولية إضاعة الوقت بتوجيه التحذيرات الكلامية إلى إسرائيل، ما يمنحها متسعاً من الوقت لكي تحقق على الأرض نتائج تستطيع استثمارها سياسياً؟

هذه الأسئلة تلتقي مع معلومات يجري تداولها في بعض الأوساط، ومفادها أنّ هناك خطوط اتصال مفتوحة حالياً بين قوى دولية وعربية على صلة بهذا الملف، من أجل التحضير لتفاهم سياسي ينهي حرب غزة. لكن ذلك يبقى متعذّراً ما لم تقرّر إسرائيل وقف الحرب. وهي لن توقفها ما لم تحقق أهدافها على الأرض.

ووفق هذه المعلومات، هناك اتجاه متنامٍ إلى عقد مؤتمر دولي يكون الهدف منه إنتاج تسوية جديدة للملف الفلسطيني، على غرار مؤتمر مدريد 1991 الذي أدّى إلى ولادة اتفاق «أوسلو 1» في العام 1993، ثم اتفاق واشنطن أو ما سُمّي «أوسلو 2» الذي تمّ فيه تقسيم المناطق في الضفة الغربية، وإيضاح الحدود التي على كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية التزامها، خصوصاً في ما يتعلق بالمستوطنات.

اليوم، هناك اتجاه إلى إنتاج ما يمكن اعتباره «أوسلو 3»، بعد مدريد جديدة، على نار غزة. فالقطاع سيخرج من هذه الحرب شبه مدمّر، وستكون «حماس» قد تلقّت ضربة أدّت إلى إضعافها، ولو أنّها ستعلن عدم انهزامها في الحرب. ولكن، في المقابل، لن تكون السلطة الفلسطينية مهيأة لانتزاع السلطة من أيدي «حماس» في القطاع. وسيكون المخرج هو تشكيل سلطة فلسطينية موقتة تشارك في المفاوضات وتتولّى تنفيذ المقررات، على أن يجري لاحقاً تنظيم انتخابات شاملة، في الضفة وغزة، تتكفل بإنتاج سلطة جديدة تعبّر عن التمثيل الشعبي للفلسطينيين.

وقد بات ممكناً اليوم انعقاد «أوسلو 3»، بتأييد فلسطيني شامل، لأنّ «حماس» وإيران أعلنتا بوضوح أنّهما تؤيّدان «حل الدولتين»، بعدما كانتا ترفضانه بشدة منذ لحظة انعقاد «أوسلو 1». وأما التسوية المفترضة، وفق ما يجري تسريبه، فستبنى على أساس الحل الذي طرحته السعودية في قمّة بيروت العربية، العام 2002، أي «حل الدولتين»، ولكن بعد إدخال تعديلات عليه تتوافق مع المعطيات التي طرأت على مدى العقدين الأخيرين.

وأما الرعاية العربية، وفق هذا الطرح، فستتوافر بدخول المملكة إلى التسوية كشريك أساسي يعترف له الجميع بالقيادة في العالم السنّي. وفي تسوية مُرضية من هذا النوع، يصبح تلقائياً قبول الرياض لفكرة التطبيع مع إسرائيل وموافقتها على تمويل الإعمار في غزة، بالشراكة مع دول الخليج كافة.
هذا السيناريو المتداول هل يرى النور، فيما الطرفان الأساسيان المعنيان به يتطلعان إلى تحقيق طموحات أكبر؟ أي، هل توافق عليه إسرائيل أم ستبقى مصرّة على تنفيذ مخطط التهجير من غزة إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن؟ وهل ترضى إيران بالتنازل عن الورقة الفلسطينية لمصلحة القوى الدولية والعربية أم سترفض التخلّي عنها وتقاتل تمسكاً بها، أياً كان الثمن؟