IMLebanon

لعبة المافيا “تبديد الأزمة”

 

الأزمة، حسب صامويل جونسون، هي “النقطة التي يصل فيها المرض الى أن يقتل أو يتغير نحو الأفضل”. ولبنان في قعر أزمة هي مجموعة أزمات مترابطة ومتكاملة وصلت الى هذه النقطة: موت أو حياة. إما إكتمال الإنهيار، وإما بدء الخروج من القعر. ولا أحد يعرف ما الذي يخرج من صناديق الإقتراع، وما إذا كان الناخبون الغاضبون المسروقون والمتروكون لقدرهم سيترجمون ذلك سياسياً بالإستياء والعزوف عن التصويت أم بالإقبال على الإقتراع لأن لكل صوت وزناً. لكن الظاهر على الطريق الى الإنتخابات هو معركة فاصلة على رهانين: رهان على المزيد من الشيء نفسه وإعتبار الإنتخابات النيابية مجرد حلقة في سلسلة الإنهيار. ورهان على وقف الإنهيار وتغيير المسار في الداخل والعلاقات مع الخارج.

 

كان الرئيس شارل حلو يقول: “في لبنان أمراض لا نستطيع تشخيصها، لأن ذلك يمنع الحصول على علاج لها، وإذا حصلت عليه فلن تستطيع إستعماله”. لكن الوضع اليوم مختلف. فالمرض وصل الى كل بيت، وجرى تشخيصه بدقة من خبراء ومعنيين في الداخل كما من دول شقيقة وصديقة ومؤسسات دولية. والعلاج موصوف، لا فقط في “الركائز الخمس” التي تحدث عنها صندوق النقد الدولي بل أيضاً في تقارير إقتصادية رسمية ومستقلة قديمة وجديدة. غير أن المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة تمنع إستعمال العلاج، لأنه يضر بمصالحها ويحول دون المزيد من الفساد ونهب المال العام والخاص.

 

بين مدارس الإقتصاد السياسي واحدة تتبنى نظرية خلاصتها: “الأزمة شيء ثمين جداً لكي تبدده”. فهي فرصة للبناء من جديد وتغيير جذري وضروري لم يكن ممكناً من دون تأثير الأزمة. وما رأيناه وعانيناه حتى الآن في لبنان هو البراعة والإصرار على “تبديد” الأزمة هرباً من الحل. براعة فريق لديه مشروع أخطر من النظام الطائفي المشكو منه، ويرى في تبديد الأزمة فرصة لتسليم الناس بمشروعه نحو لبنان آخر. وإصرار فريق يخاف على موقعه ومصالحه من الفرصة المفتوحة للتغيير الجذري، بحيث يرى في تبديد الأزمة خلاصاً له. وإن كان ذلك على حساب الناس والبلد.

 

وهذه قمة البؤس السياسي، وسط إدعاء القوة وإختراع الأعذار لتأجيل الإنتخابات مع الذهاب إليها بالإضطرار، ومخاطبة الناخبين على طريقة حفلات الزجل: مدح الذات الى الحد الأقصى والتجريح بالخصوم الى درجة الإلغاء. وهي أيضاً قمة الخبث. فالمشكلة لم تكن في الإنقسام بين “قوى 8 آذار” و “قوى 14آذار” لأن الإنقسام كان على أساس سياسي متعدد الطوائف وهو من طبائع الأمور في نظام ديمقراطي. ولا هي في بقاء تحالف 8 آذار وإنفراط تحالف 14 آذار. المشكلة الخبيثة هي تبديد أوسع تحرك شعبي عابر للطوائف والمذاهب والمناطق بإعادة تحريك الغرائز الطائفية والمذهبية وتوظيفها في معركة الإنتخابات.

 

في مقال نشرته “فورين أفيرز” كتبت مادلين أولبرايت: “الصعود من الهاوية أسهل من الصعود من القمة”. فهل يصنع اللبنانيون معجزة الصعود من أعمق قعر في جهنم؟