بعد كل الذي قيل، هل ننتخب عرابا للمافيا ام رئيسا للجمهورية؟
كم كان منطقيا ، وثوريا، ان يقول الوزير وائل ابو فاعور «نحن كدولة» لا «نحن كحزب»، الا اذا كان علينا ان نتصور ان كل تقدمي اشتراكي، وسواء كان صاحب مطعم ام صاحب فندق، على شاكلة كمال جنبلاط او على شاكلة المهاتما غاندي..
لا نملك الحق، ولا الكفاءة، في ان نعطي درساً في المفهوم السياسي، والدستوري، للحكومة كما للدولة، ولكن حينما نكون في دولة مركبة، وفي حكومة مركبة، لا يتصرف الوزير على انه الحزب، او الطائفة، و الا كنا امام دول في دولة وامام حكومات في حكومة، وهذا ما نعاني منه، على كل حال، نحن القابعون في مستودعات اللحوم البشرية..
غالباً ما تكون مرجعية الحزب في بلادنا، ان في البنية الايديولوجية او في الاداء السياسي هي الشخص. لا ينطبق هذا على كل حال على نظرية عبدالله العلايلي، وكان احد مؤسسي الحزب التقدمي الاشتراكي، التي تقول ان الانسان( لا الشخص) هو مصدر التشريع. من يتجرأ ان يقول ذلك الآن؟
لكننا مع «ثورة وائل ابو فاعور» حين يتحول السرطان من مرض الى موضة. كل لبناني يسائل نفسه، بعد استشراء هذه الظاهرة، عن نوع السرطان الذي سيودي به بعدما اوغلنا مكيافيلياً في جاذبية المال. المال بأي ثمن حتى ولو مشينا فوق جثث( او فوق قبور) الآخرين!
كما في حالة «داعش» حيث نتعاطى مع النتائج و لا نتجرأ على مقاربة الاسباب كي لا نخدش هذا النظام او ذاك، حالتنا مع الطبقة السياسية او لنقل مع تلك السلطة العجيبة التي لا علاقة لها بلبنان وباللبنانيين، فهل الذي تقوم به وزارة الصحة هو ما يقوم به الوزير كشخص( او كحزب) ام انه تطبيق لاستراتيجية وضعتها الحكومة؟
هي «صحوة» حزب يشكل جزءاً لا يتجزأ من الكونسورتيوم السياسي في لبنان، ولكن الى اين يمكن ان تصل اذا ما شاهدنا وزراء يدافعون عن الاطباق العفنة وعن الصهاريج التي توزع المستنقعات على المنازل؟
كان من المنطقي، ومن الضروري، ان تتبنى الحكومة بكامل اعضائها اذا كانت تنظر الى اللبنانيين كمخلوقات بشرية لا كأوعية بشرية، استراتيجية محددة، او يبادر المجلس النيابي الى اقرار قانون سلامة الغذاء بدل ان تكون «الثورة» مجتزأة وقصيرة المدى لان اجتثاث الفساد الذي يستوطن حتى ارواحنا اكثر من ان يكون قضية اخلاقية، قضية بقاء. من تراه يصدق ان الفضيحة لن تنتهي كما انتهت كل فضيحة اخرى باللفلفة، وقد لاحظنا كيف ان البعض حاول ان يلعب طائفيا مع الفساد ولمصلحة صاحب السعادة الفساد…
لا بأس ان نكون خلاقين في الخداع. كان آباؤنا الفينيقيون يبيعون زيت الزيتون في شبه الجزيرة الايبيرية(اسبانيا و البرتغال حالياً) على انه ماء الخلود، ولكن كيف يمكن لنا ان نكون خلاقين في الفساد؟ بعض الوزراء بالاحذية المرصعة بالذهب، حاولوا الدفاع حتى عن الدجاج المفخخ بعدما دافعوا عن السيارات المفخخة، قبل ان يدعوهم وائل ابو فاعور الذي لا نشك البتة في فعاليته وفي نزاهته( كشخص)الى وقف العهر السياسي والتجاري، وكان مثيرا ان يدافع احد النواب، هكذا امام الملأ، عن…الجراثيم!
لم يعد احد يأتي على ذكر الحجاج بن يوسف الثقفي(الذي هو مثالنا). الآن لا داعي لانتظار الرؤوس التي اينعت وحان قطافها. في عهد الخليفة ابراهيم (ولعله اختار الاسم للعودة الى اصول الاصول) الرؤوس تسقط قبل ان تينع…
لا نقول ان ما وصلنا اليه يقتضي التمثل بالثقفي او بالبغدادي، وثمة من يكتب الآن عن «انين الانبياء»، ولا ندعو الى تنحية الرؤوس عن اكتافها بل تنحيتها عن اكتافنا لاننا، وكما قال وزير الصحة، نعيش في غابة.
على طريقة توماس هوبز، اللبناني ذئب اللبناني، ثم نعترض على اي دعوة الى المؤتمر التأسيسي ليس لاعادة هيكلة الدولة، او الصيغة، او السلطة، وانما لاعادة هيكلة الناس، أكانوا ممن يصنعون الفضائح المدوية ام كانوا ممن يستهلكون هذه الفضائح كما لو انها من انتاج القضاء والقدر…
حين نعلم ماذا نأكل وماذا نشرب ألا يفترض بنا ان نستدعي ابا بكر البغدادي، فهل يرى الخليفة في رعاياه اكثر من غابة من اللحى التي تستضيف حتى الافاعي، وفحيح الافاعي. المشهد في كل زواياه، وفي كل تفاصيله، وفي كل احتمالاته، اكثر من ان يكون تراجيدياً…
ازمة دولة؟ اجل. ازمة شعب؟ اجل. المشكلة اننا نصفان، المشكلة اننا لبنانان، ولكن اي ظاهرة سريالية تلك اذا كنا توأمين سياميين. حتى لو كنا امام مؤتمر تأسيسي، اي امام جراحة دستورية و سياسية، من يقول ان المؤتمر سيعيد تركيبنا، اي تركيبة بعدما وصفنا احدهم، لتخثرنا السياسي والاجتماعي والطائفي، بـ «الكراكيب العثمانية».
الغريب ان بعضهم يعارض المؤتمر التأسيسي ظناً منه انه يعيد تشكيلنا بصورة لا متوازنة. هل نحن متوازنون حقا، وهل السنّة او الشيعة او المسيحيون ( او اللبنانيون بوجه عام) في مكانهم الصحيح؟ ومن قال ان المؤتمر لا يعني سقوط النصف وسقوط النصف الاخر ما دام تأجيج الازمة في سوريا يعني ان ثمة خرائط اخرى و صيغاً اخرى تعد في الردهات الكبرى وما دون الكبرى…
ابو فاعور الشخص، او الحزب( اي شخص الشخص)، وكنا نتمنى لو كان ابو فاعور الدولة، او ابو فاعور الثورة!