Site icon IMLebanon

برنامج بلا حكومة والمتحكّم “قانون” المافيا

 

“تكرار الكوارث معلّم” كما يقول المثل الأميركي. لكن المافيا السياسية والمالية والميليشياوية المتحكمة بلبنان تفعل العكس: تتكرر الكوارث فلا تتعلم شيئاً بل تدعي أنها تعلّم الكوارث وتوظفها في خدمة معاركها الصغيرة وحساباتها التافهة. وتتكرر “الرسائل” الآتية من الأشقاء والأصدقاء والأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين المحذرة من “زوال” لبنان والداعية الى إخراجه من الكوارث، فتضيع في الترجمة. وليس ذلك لأن “الرسائل” غامضة او ناعمة ديبلوماسياً، بل لأنها واضحة وقاسية ومباشرة. خلاصتها: لا مجال بعد اليوم لسياسة: ساعدونا لكي نسرق.

 

“لا مؤتمر من أجل التعافي الاقتصادي وتنفيذ التزامات “سيدر” ما لم تأتِ حكومة جديدة فاعلة وتتمتع بالصدقية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة”. ولا تكذبوا على الناس بالإدعاء ان قوى خارجية تمنع تأليف الحكومة، وهي تكرر مطالبة المعرقلين في الداخل بالإسراع في التأليف.

 

لكن هموم المافيا واهتمامها في مكان آخر، كأن لبنان ينهار في العالم الافتراضي. والواقع أن كل الأعذار والحسابات التي يقال انها تستدعي تأجيل التأليف، من العقوبات ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية وانتظار اللعبة بين أميركا وايران والترقب لما يمكن ان يحدث في المنطقة الملبدة بالغيوم، هي نفسها تفرض التعجيل.

 

فلا معنى، سوى سوء النيات او الحماقة، لان نقف في الفراغ بلا حكومة منتظرين تطورات دراماتيكية، بدل ان نواجه أي تطورات بحكومة توقف الانهيار وتنفذ الإصلاحات وتأتي بالمساعدات. وليس من المعقول، حتى لو كنا في وضع طبيعي قابل لترف التعطيل، التصرف كأن تشكيل الحكومة لعبة صفرية يربح فيها او يخسر هذا الطرف أو ذلك.

 

في “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني” الذي نظمه وأداره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، قيل لنا بكل اللغات: لن نتخلى عن لبنان، ولكن لا تتخلوا انتم عنه. وكل المطلوب ان ينفذ أمراء الطوائف خريطة الطريق للمبادرة الفرنسية التي وافقوا عليها أمام ماكرون. فالعادة في لبنان هي تأليف حكومات من دون التفاهم مسبقاً بين أطرافها على برنامج عملي قابل للتنفيذ. حتى البيان الوزاري الذي هو مجرد وعود وعناوين عامة، فان الوزراء يختلفون حوله بعد التأليف. أما اليوم، فان البرنامج جاهز، والحكومة غائبة. لا بسبب الخلاف على البرنامج بل على الحصص والتسمية والحرص على مستقبل شخصيات سياسية، من دون الإلتفات الى ان مستقبل لبنان على المحك.

 

في إدارة السياسات شيء اسمه “قانون تاتشر”: “إفعل ما تريد اليوم، واقلق غداً”. لكن “قانون” المافيا في لبنان هو: إفعل ما تريد، ودع القلق اليوم وغداً للناس والبلد.