Site icon IMLebanon

صورة جنبلاطية قاتمة

تصريحات النائب وليد جنبلاط في باريس، بعد لقائه الرئيس فرانسوا هولاند، أيقظت مخاوف دفينة لدى اللبنانيين تتجاوز حدود بلدهم، فعندما يكون جارك بخير تكون بخير، وعندما يكون كما صوّر جنبلاط الوضع الاقليمي القاتم، استناداً الى التردد المحيط بالمفاوضات النووية الأميركية – الايرانية، يكون عليك التسليم بقضاء الله وقدره…

ومن علامات سوء المرحلة الآتية، استناداً الى التعقيدات المستجدة على المسار النووي الايراني، التدهور المفاجئ للأوضاع في اليمن، من تفجير المسجدين في صنعاء، الى زحف الحوثيين باتجاه تعز وصولاً الى الاجتماع العاجل لمجلس الأمن، تحسباً لتحولهم باتجاه عدن.

بعض الأوساط الدبلوماسية على قناعتها بأن لبنان محيّد عن الصراعات الساخنة، وان استقراره محصّن عربياً ودولياً، لكن التجارب التي مر بها لبنان والزعامات اللبنانية، لا تدعم هذا القول، خصوصاً عندما يكون الكباش القائم بين أطراف دولية لا ترى غير مصالحها الذاتية، وأخرى اقليمية لا تتردد في التصرف، كما لو انها في غابة.

ومن علامات عدم الارتياح، تفقد سفيرة الاتحاد الأوروبي لمنطقة رأس بعلبك، ولتعلن من هناك دعم الاتحاد للجيش اللبناني ولاستقرار لبنان.

وكذلك تهافت الدعوات للشخصيات اللبنانية الى الخارج لاجراء مشاورات أو عقد ندوات، فبينما جنبلاط في باريس غادر الرئيس أمين الجميل الى لندن لالقاء محاضرة عن الحوكمة في العالم العربي، على أن ينتقل بعدها الى بوسطن للغاية نفسها.

ويغادر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الى لندن اليوم الاثنين، لحضور مؤتمر حول الاعتدال وحوار الأديان ترعاه الحكومة البريطانية. وقد سبق وزير الداخلية نهاد المشنوق الجميع الى الرياض ومنها الى واشنطن، في حين يطل الرئيس فؤاد السنيورة من المحكمة الدولية في لاهاي، اليوم، كشاهد على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بينما يتحضّر رئيس الحكومة تمام سلام للسفر الى شرم الشيخ للمشاركة بالقمة العربية الدورية.

أما في الداخل، فتبقى قصة الاستحقاق الرئاسي، التي باتت أشبه ما تكون بحكاية ابريق الزيت، حديث كل يوم، وخلفية كل موقف.

البطريرك بشارة الراعي يقرع ناقوس الرئاسة الشاغرة في عظة كل أحد، ورئيس الحكومة تمام سلام جعل من الدعوة الى انتخاب الرئيس فاتحة كل جلسة لمجلس الوزراء، ومثله الرئيس ميشال سليمان حوّلها الى لازمة في كل تصريحاته، على أن لا أحد يحدد أو يضع اصبعه على الجرح من أركان الصف الأول، غير المرشح الرئاسي الدكتور سمير جعجع، الذي جاهر أمس الأول بالقول إن طهران وراء الفراغ الرئاسي، وإنها صاحبة شعار إما رئيس مؤمن بالتفاهم معها، أو عبرها مع الآخرين، وإما لا انتخابات رئاسية…

بينما يرد الشيخ نعيم قاسم بالقول إن حزب الله قدم تجربة عظيمة في لبنان تحت إمرة الولي الفقيه…

بعض المتفائلين على ثقة بأنه ما إن يتظهر الاتفاق النووي الايراني مع دول الغرب، فإن كل الأطراف ستبدأ بالحديث عن أن لحظة انتخاب الرئيس قد دنت…

بالمقابل ثمة من يتمسك بنظرية تقول إن ايران تسعى للتأكيد للمعنيين بالواقع اللبناني أنهم ما لم يعترفوا بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد لن يكون انتخاب رئيس لبنان ممكناً، الا في حال كان المرشح المؤهل للفوز من غير المقاطعين للرئيس السوري، أي مضمون الولاء…

والعقدة هنا أن المجتمع الدولي لن يعترف بشرعية الأسد أو حتى بدوره كمحاور سياسي مع المعارضة السورية، بدليل ما أبلغه الرئيس الفرنسي الى النائب جنبلاط يوم السبت من أنه لن يستعيد الحوار مع شخص لا يستطيع الصمود الا عبر ارتكاب المجازر… مضيفاً بأن تصريحات الوزير الأميركي جون كيري أحرجت فرنسا كما أحرجت الادارة الأميركية…

وفي هذه الحالة لن يكون مقبولاً بالنسبة الى طهران الا من يرفضه الفريق الآذاري الآخر.

انطلاقا من هذا الواقع، ازدادت الأصوات المطالبة بالتمديد للقادة العسكريين ارتفاعا، رغم ان التمديد مبدأ مرفوض للعسكريين، كما للمدنيين أو حتى دبلوماسيين، انما للضرورة أحكام، ومن أحكام الضرورة يمكن ايراد اثنتين: عدم جواز تعيين ضباط قادة بغياب رئيس الجمهورية لعدم جواز فرضهم على الرئيس العتيد… والالتزام بقاعدة ان يكمل القادة في مواقعهم، في زمن الحرب أو الاضطرابات، حتى تهدأ هذه المعارك أو تنتهي.

وضمن أحكام الضرورة أيضا مناخ سياسي لبناني يفضّل إشراك أوروبا في انتاج الرئاسة اللبنانية، لأسباب موضوعية، بنظر جماعات الحراك المدني، وهي ان الاعتماد على الأميركيين وحدهم، قد يخيّب أمل المتأملين، لأنهم يفهمون الديمقراطية خارج بلدهم استبداداً، ولذلك يفضّلون القبعة العسكرية، واذا لم تفلح في السيطرة يتحوّلون الى أصحاب العمائم أو من يمثلهم…

والدليل ما نرى في هذا الشرق المنكود…