تزامناً مع عيد الميلاد، قطع عدد من أهالي مغدوشة الطريق الرئيسية احتجاجاً على شراء «غرباء» عشرات الدونمات من أراضيها. في إطار الحراك الأهلي، رفعت لافتات كتب عليها «أرضي مش للبيع» و»عيد بأي حال عدت». حالياً، يتشكل وفد لزيارة الرئيس نبيه بري، نائب قضاء الزهراني، لمطالبته بالضغط على أولئك «الغرباء»، أو الجيران الشيعة، ولا سيما من الغازية وزغدرايا، للتوقف عن شراء أراضي مغدوشة. لكن، هل يشتري هؤلاء بالقوة أم برضى أصحاب الأراضي؟
«نحنا ما رح نشتري، بس هني ما يبيعوا أرضهم»، قال أحد فاعليات الغازية المتداخلة عقارياً مع مغدوشة. منطقتا الرويس وزرعا «تابعتان لمغدوشة بالاسم»، يقول الناشط في الحراك هشام حايك. «لدى التجوال فيها، تكتشفون الأمر»، مشيراً إلى سبيل ماء مستحدث عليه شعارات دينية وصورة للإمام موسى الصدر.
العقارات الواقعة على تلة مطلة على البحر، غزتها الفيلات والقصور والبيوت الحديثة. متموّلو الغازية تمددوا إلى التلة هرباً من وسط البلدة المكتظة، فوجدوا من يبيع لهم من مغدوشة. عدد من أبناء زغدرايا اختاروا عقارات مغدوشة المحاذية لهم، فيما اشترى متمول صيداوي عقاراً متاخماً لدرب السيم، وشيد قصراً قبل أن يشتري مع شريك له عقاراً آخر متاخماً لأراضي الوقف التي تضم تمثال السيدة والمزار المقدس. الانجذاب نحو مغدوشة كان طيب الأثر في المنطقة. أغرى هدوء البلدة وترتيبها الجيران و»الغرباء» منذ وقت طويل. عدد من أبناء البلدات المسيحية في قضاء الزهراني سكنوا في مغدوشة، من العدوسية والمعمرية والحجة. قلبها الكبير وسع الجميع من مناطق وطوائف أخرى. نسبة الزواج المختلط كبيرة في المنطقة. حايك نفسه متزوج من جباع في إقليم التفاح، وشقيقه متزوج من الصرفند، وآخر متزوج من عنقون، وكثيرات من مغدوشة متزوجات من عنقون وغيرها. حتى إن كلمة حرب التي التصقت بمغدوشة عنوة (حرب مغدوشة في النصف الثاني من الثمانينيات بين حركة أمل وفصائل فلسطينية) لم يكن لها ذنب فيها. لذلك، نزح أهلها مؤقتاً حتى استتبت الأحوال عام 1990. لم يتأثر هؤلاء بالتهجير القسري. عادوا كما رحلوا. حالياً يقيم 3 آلاف من السكان شتاءً وصيفاً من أصل ثمانية آلاف. معظم البعيدين ليسوا مهاجرين. يتمسكون بصلة وصل مع مسقط رأسهم. فلماذا اضطربت مغدوشة أخيراً؟
25 في المئة من أراضي البلدة بيعت في السنوات الأخيرة
«مغدوشة زعلانة من أبنائها الذين يبيعون أرضهم»، قال حايك. لا يعتب على الغريب الذي يشتري، بل على ابن الأرض الذي يبيعها. يعرض رسماً بيانياً يظهر حركة بيع الأراضي، فيتبين أن نسبة واحد في المئة سجلت بين عامي 1982 و1985، ونسبة 5 في المئة سجلت بين عامي 1985 و1991 أي خلال التهجير. في مقابل 15 في المئة سجلت بين 1991 و2000 ومثلها بين 2000 و2005. وعلى نحو تدريجي، بلغت النسبة حالياً 25 في المئة من أراضي مغدوشة بيعت، ولا سيما في السنوات الأخيرة. أبطال البيع سماسرة من مغدوشة يقنعون أصحاب الأراضي، ولا سيما من غير المقيمين، ببيعها والاستفادة منها بدلاً من تركها منسية. آخر من باع جزءاً من عقاراتهم، متمولون ليسوا بحاجة للمال، ما أثار غضب الأهالي. قبلهم، اشترى متمول من مغدوشة مئات الدونمات من العشرات. أخيراً قام ببيعها إلى «غرباء».
لكن لماذا سجلت النسبة الأعلى في زمن الأمان والسلام؟ يقر حايك بشعور «عدم الانتماء من قبل بعض المسيحيين تجاه أرضهم». والسبب؟ «الخوف وعدم الأمان والشعور بخطر التهجير مجدداً». يعرض جملة مما يجده «تمييزاً بحق مسيحيي المنطقة من بينهم مغدوشة، يدفعهم إلى بيع أراضيهم والانتقال للعيش في بيئة حاضنة». يتحدث عن تضييق القوى الأمنية على ورش البناء في مقابل تغاض عن «زعرنات» يقوم بها بعض شبان المحيط في نواحي البلدة من «تشفيط بالسيارات وسكر وسرقة المحاصيل الزراعية». يخلص إلى أنهم يعيشون «خوف الأقليات في محيط أكثري، وهو خوف يستند إلى أوهام وليس إلى خطر ملموس». تلك الأوهام تجعله يجد في شراء الأراضي بسعر مرتفع (400 و500 دولار للمتر الواحد) مؤامرة. يخشى من أن تتحول العقارات إلى مجمعات سكنية أو دينية تغير ديموغرافية المنطقة. ويشير إلى تقوقع الأهالي في وسط البلدة التي تشهد اكتظاظاً فيما جرى شراء الأطراف. ما يعني أن من يحتاج لتشييد منزل جديد ولا يجد أرضاً «سيضطر إلى الانتقال للسكن في منطقة أخرى».
لمواجهة تواطؤ السماسرة والمستغنين عن أرضهم، وجّه الحراك الأهلي رسالة إلى البلدية ورجال الدين في البلدة. طالبوا البلدية بالضغط لمنع بيع الأراضي لأشخاص من خارج مغدوشة وطالبوا المطارنة بإلقاء ما يشبه الحرم الكنسي على من يبيع للغرباء من مناطق أخرى حتى لو كانوا مسيحيين وإنشاء مشاريع خدماتية وسكنية لأبناء البلدة تحثهم على التمسك بأرضهم وعدم الهجرة أو النزوح. هنا يشير حايك إلى أن متمولاً من جبيل عرض إعادة شراء الأراضي من الغرباء، لكن الحراك رفض وأعلن التحضير لإنشاء شركة عقارية لتنظيم بيع عقارات البلدة تهدف إلى شراء العقارات ممن يرغب وبيعها لأبناء البلدة أو منح حق استثمارها. شباب مغدوشة قدموا درعاً تكريمية لطوني جدعون المتزوج سيدة من آل الخوري من البلدة لأنه أعاد شراء عقار من رجل الأعمال الصيداوي المقابل لتمثال السيدة بسعر 225 دولاراً للمتر الواحد بعد أن اشتراه الصيداوي بـ 160 دولاراً للمتر الواحد.