لا أحد يفشي أسرار الطبخات الانتخابية الجارية في مغدوشة. وشوشات الليل والجلسات الجانبية، أسلوب يعتمده كافة الأفرقاء لكي لا تحترق «طبخاتهم». إلا أن أهل الضيعة لا يغيرون طباعهم الأليفة، وإن ساورتهم السياسة والأحزاب. على البيدر قبالة الكنيسة، يتحلق أشخاص يجمعهم الود ولا تفرقهم انتماءاتهم.
سهام العونية جارة روجيه القوتجي، وبينهما سيلفيا الشيوعية وسيدة قومية وآخرون وأخريات ينتمون إلى عائلاتهم كمرجعية عليا. ومن حولهم يروح ويجيء شقيق النائب ميشال موسى. يستغلون منصب أخيه ليستفسروا عن مصير الانتخابات البلدية: الإجراء أم التأجيل؟ يستعرضون ما يعرفونه من «طراطيش» عن التحالفات واللقاءات. يتوقفون عند أداء رئيس البلدية الحالي جورج يونان وظروف فوز لائحته في الدورة الماضية التي كادت تكون بالتزكية. يحللون صوابية التحالف القواتي ــ العوني وقدرته على تحويل مرجعية الناخبين من عائلية إلى حزبية وسياسية. حديثهم سرعان ما يتحول إلى نكات وقهقهات على المعركة ومقاتليها. على البيدر لا صوت يعلو فوق صوت ضحكة سهام العونية ومزحات روجيه القوتجي.
منذ تأسيس بلدية مغدوشة، كانت العائلات التي تُعَدّ حالياً 4 آلاف ناخب، هي صاحبة القرار. منذ سنوات، تمنع البلديات المتعاقبة والأهالي فتح مقر لأي حزب. كذلك لا يوجد أي مسؤول حزبي من أبناء البلدة. منسق العونيين الحالي من مجدليون، ومنسق القوات من الرميلة. نفوذ نائب مغدوشة الرئيس نبيه بري من خلال عضو كتلته ميشال موسى، المتمدد في البلدة، يستقوي بأبرز عائلاتها. في الدورتين الأخيرتين، كانت لائحتان مشكلتان من العائلات تتنافسان على البلدية، وتحظى إحداهما بمباركة بري وموسى. في دورة 2004، خسرت لائحة العائلات المدعومة من بري وموسى وفازت لائحة العائلات المنافسة. شحذ الأخيران همتهما لتعويض الخسارة في دورة 2010. أنتجا لائحة توافقية من العائلات برئاسة المتمول جورج يونان، وكادت تفوز بالتزكية لولا إصرار مرشحين اثنين على الاستمرار بالترشح.
في الدورة الحالية، تشكلت على نحو مبدئي لائحتان: الأولى مدعومة من العائلات وموسى والحزب السوري القومي الاجتماعي، ستعيد ترشيح يونان لدورة ثانية. والثانية مدعومة من تحالف التيار والقوات، لكنها لم تحسم اسم رئيس اللائحة، إما بسبب رفض القوات لاسم اقترحه العونيون، أو بسبب خلاف العونيين أنفسهم في ما بينهم. لكنهم، بحسب مصادر مواكبة، يسعى الحليفان إلى إقناع شخص فاعل ومقبول من الجميع ليكون رئيساً للائحة، على ألا يكون حزبياً. لكن القاسم المشترك بينهما مواجهة نفوذ بري، ليس في بلدتهم فحسب، بل في سائر البلدات المسيحية في المنطقة.
يشكك البعض في مغدوشة، بقدرة الحليفين على هزيمة لائحة العائلات. يشير روجيه إلى وجود 380 قواتياً منتسباً، لكن من بينهم فقط 25 يقيمون في البلدة. مع ذلك، يضمن روجيه أن رفاقه سينزلون لائحة التحالف «زي ما هيي». سهام لا تضمن رفاقها العونيين الذين يعدون نحو 400. هي ابنة عم ميشال موسى، لكن ولاءها العوني لن يجبرها على الاقتراع «عالعمياني» لمرشحي لائحة التوافق أو العائلات. وتتوقع أن يحذو حذوها كثير من العونيين. ميلاد قسطنين، وبرغم أنه ناشط في الحزب القومي، لكن ترشحه إلى أحد مقاعد المخترة الثلاثة يعتمد على انتمائه العائلي وليس الحزبي.
الناشط في الحزب القومي جورج يونان، لفت إلى أن انضمام القوميين إلى حلف العائلات بوجه التحالف يعود إلى العداء الجذري مع القوات، والخصومة المستجدة مع العونيين بعد زيارتهم للنائب خالد ضاهر. يتوقع يونان فوز اللائحة التي سيرأسها ابن عمه لأنها تضم أكثر العائلات عدداً، من الناشف إلى يونان وقسطنين وفارس والشباب. لكن الأهالي لم يتوافقوا في السنوات الست على حسن أداء مجلس يونان. معظم الأعضاء يقيمون خارج البلدة ولا يترددون إليها إلا قليلاً، لدرجة أن النصاب لم يتأمن في معظم الأحيان لعقد اجتماع للمجلس. البعض اعتبر أن يونان صفق وحده وأنجز مشاريع من جيبه الخاص سماها باسمه أو اسم ابنه المتمول وسيم يونان، من القصر البلدي إلى مجمع الأنشطة. وآخرون وجدوا أن اختيار يونان وقرار إعادة ترشيحه يعود إلى المساعدات المالية التي يدفعها لعدد من أبناء البلدة من رواتب شهرية وأقساط مدرسية وأدوية. المرشح المستقل منير خليل، دعا الأهالي في منشور وزعه إلى «ألّا يغرهم المال لأن من اشتراك اليوم باعك غداً».
الناشط المستقل هشام الحايك، أشار إلى نشاط يقوم به عدد من الشباب والشابات على مرجعيات البلدة لفرض معايير جديدة في المجلس الجديد من تمثيله للأجيال الشابة، لأن أعمار أعضاء المجلس الحالي لا تقلّ عن الخمسين عاماً وتمثيله للمقيمين الدائمين في البلدة أو المترددين إليها بشكل مستمر. والأهم، بحسب الحايك، أن يتعهد المجلس بتنفيذ مشاريع إنمائية وليس فقط تجميلية أو استعراضية، فضلاً عن تكريس حماية الأراضي ومنع بيعها لأشخاص من خارج مغدوشة.
لائحة العوني والقوات وسرايا المقاومة؟
بشكل هادئ، تتكرر عبارة «سرايا المقاومة» في حديث روجيه القوتجي وسهام العونية. يتبادلان معلومات متضاربة عن اللائحة التي سيدعمها أنصارها في مغدوشة. لكن مهلاً. هل في سيدة المنطرة سرايا للمقاومة؟ يتوافق الأفرقاء على انتشار السرايا في البلدة منذ نحو ثلاث سنوات بين بعض العونيين والوطنيين. يؤكد روجيه أنها لا تشكل استفزازاً «بسبب دورها في منع الزعرنات والاستفزازات التي كان يفتعلها شبان من الجوار مع أبناء البلدة». السرايا موجودة إذاً، إلا أن عددها ليس دقيقاً. البعض يعدهم بمئة شاب، وآخرون يعدونهم بنحو ثلاثين. انتخابياً، لن تشكل جماعة السرايا «بلوك» واحداً مع أيٍّ من اللائحتين. قيادتهم أعطت لكل منهم الحرية في اختيار الأنسب لمصلحة بلداتهم وعائلاتهم.