إذا كانت الحكومة قد تشكلت من جميع الأحزاب والكتل السياسية المتمثلة في المجلس النيابي باستثناء حزب الكتائب فيصبح والحالة هذه موضوع نيل الثقة بأكثرية كاسحة قضية شكلية الهدف منها استكمال تطبيق الأصول القانونية والدستورية للبدء بممارسة عملها.
واللافت في الأمر المعلومات التي تشير الى تسجيل 60 نائباً طلبوا الكلام في جلسة الثقة لمناقشة البيان الوزاري وللتعبير عن رؤيتهم للأوضاع السياسية والاقتصادية ولعلاقات لبنان العربية والدولية.
اذا كانت عملية تشكيل الحكومة قد استغرقت تسعة أشهر فإن ذلك يعني بأن النقاشات والمساومات السياسية التي جرت لانتقاء أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب على الأحزاب والكتل قد توضحت بالكامل وبرضى ومباركة الجميع، وبأن الثقة بالحكومة قد تأمنت من خلال نيلها على ما يقارب 110 أصوات.
تجري هذه العراضة الخطابية في المجلس النيابي بقصد الغواية أمام الناخبين والرأي العام، هذا بالإضافة الى رغبة بعض الكتل في ابراز التضحيات التي قدمتها من أجل تسهيل تشكيل الحكومة أو لإظهار المواقف التي تميزها عن الكتل الأخرى في مسائل حساسة كمسألة السيادة، والنازحين والعلاقات مع سوريا، أو في ما يعود في تميّز نظرتها للمشروع الاقتصادي الذي سيأتي نتيجة مقررات مؤتمر «سيدر» وتوصيات لجنة ماكينزي.
في رأينا كان يفترض اختصار المناقشة بيوم واحد يجري في نهايته منح الحكومة الثقة، لتنطلق لمواجهة الاختبار الكبير الذي ينتظرها من أجل اثبات مصداقية وعودها، ومصداقية العهد في اطلاق مسيرة الإصلاح والتغيير، والتي درج الرئيس عون على تردادها منذ عام 2005 الى اليوم. ولا بدّ أن يدرك رئيس الجمهورية والحكومة أهمية إطلاق الورشة الإصلاحية. وبالتالي عدم التسويف بحجة سن قوانين وتشريعات إصلاحية جديدة، فالبلد يعيش حالة من الاحتقان الشعبي، وأن السبيل الى تنفيسها يتركز على إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة.
ان الاستحقاقات كثيرة وهي لا تقتصر على الاعداد لمقررات «سيدر» أو الشروع في تنفيذ توصيات خطة ماكينزي وفق ما يروّج له السياسيون ورجال العمال والشركات والمصارف، بل هناك استحقاقات ضاغطة تتعلق بمعالجة الأمراض الأخرى الضاغطة سواء تلك المتعلقة بالخدمات من كهرباء ونفايات وبآفتي الفقر والفساد الذي ينخر في عظام جميع المؤسسات الحكومية والإدارية. يتطلب الوضع العمل على جبهة واسعة لاطلاق عدد كبير من المشاريع الإصلاحية مع تفعيل جميع الإدارات. وتحويل الحكومة الى خلية نحل تعمل ضمن أسلوب تكاملي.
بات من الضروري ان تلتقط الحكومة الفرصة للعمل ضمن رؤية إصلاحية وبفعالية مطلقة لتبديد أجواء الخوف والشك لدى الداخل والخارج، والتي تولدت في ظل حالة العبث السياسي والدستوري التي تعرّض لها البلد خلال فترة تزيد عن عقدين، في الوقت الذي استشرى الفساد الكلي والشامل في جميع إدارات الدولة والمؤسسات الخاصة بما فيها الاقتصادية والمالية.
تتطلب الخطة الإنقاذية، التي وعدت الحكومة باعتمادها إيجاد وصفة «سحرية» لمحاربة الفساد، ولا بد أن يأخذ إيجاد هذه لوصفة وتطبيقها بسرعة أولوية في اجندة الحكومة.
وتتطلب محاربة الفساد توافر إرادة سياسية واضحة وصارمة لدى الرؤساء الثلاثة وتعاونهم الصادق، من أجل وضع اطار شامل لمحاربة الفساد، والذي سيتطلب وضع قوانين صارمة تشمل جميع مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة الوطنية والأجنبية العاملة في لبنان. ويبقى من الضروري انشاء مؤسسة خاصة لمحاربة الفساد تكون مستقلة عن الإدارة وعن أي تأثير سياسي، على غرار ما كان عليه ديوان المحاسبة في عهد الرئيس فؤاد شهاب، تكون لديها الصلاحية لاصدار قراراتها الاتهامية بحالات الفساد. ومن أجل تسهيل وتفعيل عملها من الضروري أن يفرض على المتهم تبرير مصادر ثروته، وتمتد صلاحيتها لتشمل السياسيين والوزراء.
من أجل تسريع عمل هذه الورشة يمكن للبنان الاستفادة من تجربة سنغافورة والتي اثبتت جدواها وفاعليتها في التصدي لآفة الفساد في الوقت الذي كانت تعاني فيه من الفقر والكساد الاقتصادي، وسوء الخدمات بما فيها الصحية، وأزمة اسكانية خانقة.
في النهاية، لا بدّ من التحذير من إمكانية إضاعة الوقت في جدل بيزنطي حول ماهية مشروع محاربة الفساد من أجل تعطيله. وإذا كان لنا من نصيحة للرئيسين عون والحريري، فإنا ندعوهما الى اختيار لجنة خبراء للذهاب الى سنغافورة للاطلاع على قوانين وعمل الإدارة الخاصة بمحاربة الفساد، وإجراء التعديلات اللازمة عليها، والتقدم بها كمشروع قانون معجّل لا يستغرق إقراره أكثر من شهرين.