عودة رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو أنعشت الآمال بإمكان تحريك المياه الراكدة في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية وأن زيارته هذه المرة تأتي بعد جولة شملت طهران والفاتيكان والمملكة العربية السعودية، وكان العنوان الرئيسي لهذه الجولة هذا الاستحقاق وضرورة إملاء الشغور في رئاسة الجمهورية لوقف التدهور الحاصل في لبنان على كل المستويات.
غير أن مباحثاته مع المسؤولين اللبنانيين من رسميين وغير رسميين كشفت أن الموفد الفرنسي لا يحمل معه عصا سحرية لأزمة الانتخابات الرئاسية، وجلّ ما يحمله حثّ اللبنانيين على لبننة هذا الاستحقاق ويكون ذلك بحضور النواب إلى ساحة النجمة لتأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية بدلاً من ترك الأمر للقوى الخارجية، فيما قياديوه ومسؤولوه يتلهون بتقاذف المسؤوليات حول تعثّر توفير نصاب الثلثين في مجلس النواب الموكل إليه حسب النظام اللبناني عملية انتخاب رئيس الجمهورية. فماذا تعني هذه الدعوة من قبل الموفد الفرنسي المكلّف من قبل حكومته التوسط لدى الداخل والخارج لحل أزمة انتخاب رئيس الجمهورية؟
بكل بساطة تدلّ هذه النتيجة – النصيحة التي عاد بها الموفد الفرنسي بعد زيارة دولتين هما الأكثر تأثيراً في لعبة الاستحقاق الرئاسي على أنه فشل في الحصول على أي وعد من هاتين الدولتين يطمئن إليه هو وحكومته لفتح باب هذا الاستحقاق الذي شارفت أزمته على السنة تقريباً ولا يزال الأفق مسدوداً أمام أي حل لها، لا سيّما من الجانب الإيراني الذي كان له موقف مخيّب للأمال التي عقدها جيرو عليها قبل التقائه أحداً من المسؤولين الإيرانيين، الأمر الذي دفعه إلى مصارحة المسؤولين اللبنانيين بواقع الحال، وبأن لا حل لهذه الأزمة إلا إذا أمسك بها اللبنانيون وعالجوها بأنفسهم بعيداً عن أي تدخل خارجي سواء جاء هذا التدخل من إيران أو من أي طرف إقليمي أو خارجي آخر، فهل يُدرك بعض اللبنانيين أن الاعتماد على الخارج لن يأتي بالمنّ والسلوى بل بمزيد من المشاكل لهذا البلد الذي عانى ويعاني الأمرّين من تدخل الخارج في شؤونه الداخلية لدرجة بات يُقال في بعض العواصم الغربية أنه بلد ميؤوس منه، ولا يزال بحاجة الى وصاية خارجية إقليمية بالدرجة الأولى تُدير له شؤونه وتوقف التدهور الحاصل على كل المستويات، فهل تتعظ قياداته وتأخذ بنصائح الوسيط الفرنسي أم تبقى مرهونة لإرادة الخارج وإملاءاته؟
الجواب البديهي والذي أصبح على كل شفة ولسان اللبنانيين هو أن هذه القيادات أو الذين يسمّون أنفسهم قيادات مسؤولة تبقى عاجزة عن سحب هذا الملف وأي ملف آخر من يد الخارج لجعله لبنانياً بحت، وما يحصل على صعيد الاستحقاق الرئاسي وأزمته المستمرة خير دليل على صحة هذه المقولة، وبالتالي لا يتوقعن أحد أن ينعم هذا البلد برئيس جمهورية قبل أن تحلّ كل أزمات المنطقة الممتدة من سوريا الى العراق والبحرين واليمن وحتى مصر، وخصوصاً أزمة الملف النووي الإيراني التي لا زالت معلّقة رغم ترجيحات البعض في الوصول إلى نهاياتها في حزيران المقبل.