لن يستطيع أحد أن يزايد على الرئيس ميشال عون وفريقه في الدفاع عن «حزب الله». هو يفعلها عن عقلٍ وبطيب خاطر. ومنذ 11 عاماً، هو يراهن على زواج ماروني- شيعي سعيدٍ ومثمر، لا «زواج مُتعةٍ» قصير الأمد على الطريقة الشيعية، بل «زواج عقلٍ» طويل الأمد، على الطريقة المارونية.
أوصل عون إلى وفد «التاسك فورس» اللبناني – الأميركي رسالة شديدة التطمين إلى «حزب الله»: «عندما يتعلق الأمر بمصير «الحزب» والطائفة الشيعية، أولويتنا هي الاعتبارات الوطنية لا المصالح الخارجية، أيّاً كانت».
هذه الرسالة لا تفاجئ «الحزب»، فهو يثق تماماً بحليفه على المستوى الاستراتيجي، وإن دارت أسئلة في بعض الأذهان حول مضامين زيارة الوزير جبران باسيل الأخيرة لواشنطن، والتي ربما كانت هي السبب الخفي للحملات «الغامضة المصدر» التي تعرَّض لها، لا مشاريعه الانتخابية.
في المختصر: لن يرتكب عون وكوادره أيَّ هفوة بالخروج عن تموضعه السياسي إلى جانب «الحزب»، ولو قيد أنملة. وهو لن يختار منطقة رمادية بين «الحزب» و«أعدائه» الإقليميين والدوليين، ولن يقبل بدور الوسيط مع الولايات المتحدة أو سواها ما لم تكن الأولوية هي الحفاظ على «حزب الله» والطائفة الشيعية.
عندما اختار عون الذهاب إلى تفاهم مار مخايل كان يدرك الأبعاد البراغماتية لخطوته. فمصلحته هي في الوقوف مع القوي الشيعي لا مع الضعيف السنّي. وهناك ثمار سياسية لا بدّ من أن يجنيها بالشراكة مع هذا القوي. لكنّ الرابية تنزعج من تصوير التفاهم وكأنه مجرد مصلحة: «إنه زواج عقل وذو أبعاد استراتيجية مسيحياً ووطنياً».
في التدقيق، لا تتناقض النظرتان البراغماتية والاستراتيجية. فهل معيب أن يكون تفاهم مار مخايل صفقةً سياسية أيضاً؟
في زواج مار مخايل، قدَّم الماروني القوي إلى الشيعي القوي ما يحتاج إليه من تغطية وطنية في الداخل. فقبل 6 شباط 2006، كانت خريطة التحالفات الطائفية كالآتي: المسيحيون والسنّة والدروز معاً في مقابل الشيعة. وهذه الصورة الفئوية مؤذية جداً لـ»حزب» يرفع لواء المقاومة وطنياً وعربياً.
لكنّ «الحزب» يحتاج أيضاً إلى التغطية الخارجية. وعون الذي سبق له التغنّي بأنه الأب الروحي للقرار 1559، في أيلول 2004، يستطيع الاضطلاع بدور فاعل في الحدّ من أضراره على «الحزب» أميركياً ودولياً. فهو قادر على استخدام الآليات والديناميات إياها التي استخدمها لولادة القرار، ولكن في اتجاه معاكس.
إذاً، أراد «الحزب» أن يحتمي بعون داخلياً ودولياً. وفي المقابل، أراد عون أن يحصل على دعم من «الحزب» يعيد التوازن الذي اختلّ في المرحلة السورية لمصلحة الآخرين، فيما كان عون والمسيحيون ضحاياه.
حصل «الحزب» على ما يريد طوال 11 عاماً، وقبض عون وكوادره ثمن هذا التموضع حصصاً في المجلس والحكومة والمؤسسات، ومكاسب هائلة على مختلف الأصعدة. واعتبر «الحزب» أنّ إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية يجب أن يكون قمّة «ردّ الجميل»، ومعه لا بدّ من أن يشعر هو والمسيحيون بالاكتفاء.
لكنّ نظرة عون مختلفةٌ تماماً. فهو يعتبر وصوله إلى الرئاسة بداية المسار لاستعادة التوازن المفقود، وليس نهاية له، ويرى أنّ من الضروري مراعاة الاعتبارات المسيحية. لكنّ «الحزب» يذكّره بأنه حريص على الاعتبارات الشيعية أيضاً.
التصادم واقع ولا أحد ينكره. فحسابات الحقل داخل كنيسة مار مخايل تختلف عن حسابات البيدر خارجها. و«الكباش» في قانون الانتخاب هو جزءٌ من «كباش» أكبر محوره السيطرة على القرار، وكثيرون يضعون أيديهم في هذا «الكباش»، فوق الطاولة وتحتها.
لا يرغب عون ولا «حزب الله» في التراجع لأنّ ما بعد المعركة ليس كما قبلها. لكنهما أيضاً لا يريدان الوصول إلى طلاقٍ لا يكون «أبغض الحلال» بل «أبغض الحرام». فلا بديل لعون من «الحزب» إذا قرّر الخروج من التحالف، والعكس صحيح، والخسائر متبادَلة.
ضمن المقايضة المعقودة في مار مخايل، يتعمَّد عون إرسال إشارات التطمين والدعم إلى «الحزب» في معركته مع الإدارة الأميركية، ومعه الطائفة الشيعية ككل وإيران. وفي اعتقاده أنه كلما رفع الصوت دفاعاً عن «الحزب» بات قادراً على رفع الصوت داخلياً، ورفع السقف إلى الحدّ الأقصى في قانون الانتخاب وسواه.
في المبدأ، قد يكون عون على صواب. فلا فرصة متاحة للفريق المسيحي أفضل من فرصة وجوده في الرئاسة، ولا ثمن يدفعه المسيحيون لـ«الحزب» مقابل استعادة خسائرهم في السلطة أفضل من تغطيته وطنياً.
ولكن، هل الأرض ثابتة إلى هذا الحدّ في لبنان أم إنها دائمة الاهتزاز والتقلّب، بحيث تعيد ترتيب التوازنات في أيّ لحظة؟
في عبارة أخرى: هل تدخل على الشراكة المارونية – الشيعية اعتبارات محلية وخارجية، تؤدي إلى تبدّلات في المواقع؟
حتى اليوم، لا مؤشرات إلى ذلك. وهناك ورشة أشغال مفتوحة لصَون التقاطع الثنائي عند مار مخايل. ولكن، قد يزدحم المتقاطعون هناك، بمشاركةٍ سنّيةٍ ودرزيةٍ أيضاً، وبتغطياتٍ إقليمية ودولية. عندئذٍ، هل سيكون ممكناً فرز «الشريك الحقيقي» عن «الشريك المضارب»؟