عمّت الفرحة قلوب اللبنانيين عموما، أمس، وقد كُلّلت مساعي اللواء عباس إبراهيم بعودة جنود الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي الستة عشر الى حضن الوطن بعد طول معاناة إستمرّت منذ الثاني من شهر آب من العام 2014 الماضي.
والعقبى لإكتمال الإفراح بالإفراج عن الجنود والعناصر التسعة الذين لا يزالون مخطوفين لدى «داعش». وقد أضحوا ثمانية بعدما إختار واحد منهم أن ينضم الى خاطفيه.. وهناك حكايات عديدة حول دوره منذ ما قبل الهجوم الغادر على مخافر الجيش، وهذا ليس شأننا في هذه العجالة اليوم.
وفي التقدير أنّ مدير عام الأمن العام سيباشر (ولعلّه باشر فعلاً) العمل لترتيب (المفاوضات مع داعش) وإن كان معروفاً أنها ستكون شاقة جداً، ومعقدة جداً.. ولكن لابدّ من المباشرة في مكان ما نحو هذه المهمّة شبه المستحيلة. إلاّ أنّ الرجل مثابر ومفاوض صلب. ويرتكز الى دعم مطلق من السلطة المدنية وبالذات من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أثنى أمس على دوره.
ويؤمل في حال بدء المفاوضات مع داعش أن تكون تحت مظلة من السرية والتكتم… إذ عسانا إستفدنا من تجربة الفلتان الإعلامي الكبير الذي رافق معاناة العسكريين في مرحلة المفاوضات الأولى التي إنتهت أمس.
أمّا وقد تم هذا الإنجاز الكبير فيجدر بنا التوقف أمام بضع ملاحظات تفرض ذاتها في ضوء الحدث منذ الإختطاف حتى اليوم.
أولاً – كم هو بليغ أنّ جميع الذين أطلقهم لبنان، من ضمن الإتفاق الذي آلت إليه المفاوضات، قد رفضوا أن يلتحقوا بجبهة النصرة، وأصرّوا على البقاء في لبنان… مع رغبة سهى الدليمي (طليقة أبو بكر البغدادي) في أن تنتقل الى تركيا… ولكنها هي أيضاً رفضت أن تمر عبر النصرة، علماً أن زوجها الأخير «نصراوي».
ثانياً – إن بعض الفيديوات التي تناولت العسكريين في مرحلة الإختطاف وحتى وصولهم الى كنف الدولة، قد تضمنت كلاماً محدداً ضد الجيش والوطن… وهذه يجب عدم التوقف عندها إطلاقاً، فما صدر من كلام جاء تحت الضغوط الهائلة والتعذيب النفسي والجسدي المعروف. وهي لا تعبّر بشيء عن الحقيقة… وإلاّ كيف أعدمت النصرة البعض إثر أيام قليلة من إعلان المخطوفين جميعاً بأنهم قد إنشقوا عن الجيش والمؤسسة الأمنية؟!
ثالثاً – ليس الوقت، الآن، للمحاسبة. ولكن يجب أن يأتي أوان المحاسبة في ضوء السؤال الكبير الآتي: من سمح للإرهابيين أن يغادروا عرسال مصطحبين معهم الجنود والعناصر؟!. وكيف سمح بحدوث مثل هذا الخرق الكبير الذي عانى منه الوطن كثيراً، وعانى منه العسكريون وذووهم ما لا يتحمله بشري من عذابات نفسية؟!
رابعاً – الأهم الآن أنه قد تم تحرير العسكريين وليس المجال للبطولات الفارغة حول «أدوار» وهمية وتقبّل التهاني عن دونكيشوتيات فاقعة.
خامساً – (وعوداً على بدء) يأمل اللبنانيون من اللواء عباس إبراهيم الذي نجح في فك أسر رهائن أعزاز، وإطلاق راهبات معلولا، وأمس تحرير العسكريين، أن يواصل هذه المهمة الوطنية الكبرى على أمل ورجاء إطلاق العسكريين لدى داعش.
… وعسى أن يكون الحدث يوم أمس مدخلاً لمسلسل الحلحلة في لبنان.