عنوان المعركة السياسية لرئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل، اليوم، هو «كسر جبران باسيل»، لا تجديد «شباب» الحزب المترهّل الذي ورثه أباً عن جدّ، ولا توسيع كتلة الحزب النيابية ليكون قادراً على تمرير برنامجه «الإصلاحي». هكذا، قرّر «فتى الكتائب» دعم «فتى تنورين» في حربه ضد «المنظومة» التي لطالما كان والدا «الفتيَيْن» جزءاً عضوياً فيها!
مرة جديدة تطيح تسويات رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بكتائبيي البترون، ويقرّر أن يكون ملحقاً بمشروع سياسي شبيه بمشروع قوى 14 آذار في انتخابات 2005، وبإيعاز من الجهات عينها. في ذلك العام، ضحّى الجميّل بكتائب البترون لمصلحة القوات اللبنانية وبطرس حرب. وكرّر الأمر نفسه عام 2009، ويعيد تكراره في 2022 مع إعلانه دعم ترشيح مجد بطرس حرب كـ«مشروع تغييري وسيادي» يريد عبره «إسقاط رموز المنظومة» (اقرأ: جبران باسيل)، مشيراً إلى أنه «تحديداً في أم المعارك في دائرة الشمال الثالثة، وخصوصاً البترون، يطالبنا الجميع بتوحيد الجهود والتفكير في ربح المعركة مع الناس التي تشبهنا». ووجه نداء لكل كتائبيي الشمال والبترون لـ«تخطي الذات» وإعطاء الأولوية «لوحدة الصف السيادي» الذي يبدو أنه بات مرادفاً لإحياء الإقطاع المناطقي والوراثة السياسية ضمن أطر «تغييرية»، يمثلها سامي أمين الجميل، ومجد بطرس حرب وميشال رينيه معوض وغيرهم.
المفارقة أن رئيس الكتائب، لا خصومه، هو من يعرّض الحزب للإقصاء ويُحجّمه إلى مرشحين اثنين في المتن الشمالي (الجميل نفسه والياس حنكش) وثالث في كسروان (سليم الصايغ)، فيما يعدّ النائب نديم الجميل «حالة خاصة»، إذ لا يأتمر بقرارات الحزب.
معركة «كسر جبران باسيل»، بحسب المعلومات، ستدفع بالكتائب إلى عدم تسمية مرشح في بعبدا بل دعم العوني السابق نعيم عون، ودعم مرشح مجموعة «تقدّم» مارك ضو في عاليه في وجه حليف باسيل النائب طلال إرسلان، والاقتراع في زحلة للنائب المستقيل من تكتل «لبنان القوي» ميشال ضاهر.
لكن، يبدو أن قرار الجميل هذه المرة لن يمر من دون تداعيات على القاعدة الكتائبية التي بدأ تململها يخرج إلى العلن. ولعل الصوت الأعلى والأكثر تعبيراً في هذا السياق هو صوت رئيس إقليم البترون في الحزب النائب سامر سعادة الذي ضحّى به الجميل كرمى لعيون مجد.
فالجميل يدرك جيّداً أن معركة إسقاط باسيل لا تستوي بترشيح ابن بطرس حرب. إذ إن والد الأخير، مع كل تاريخه السياسي والخدماتي، حاز في انتخابات 2018 على 6155 صوتاً، في مقابل 2470 صوتاً لسعادة، فيما بلغ حاصل الدائرة 11580 صوتاً. ومع افتراض تراجع أصوات باسيل من 12269 صوتاً إلى 10 آلاف صوت، وحصول حرب «جونيور» على كل أصوات والده (وهو أمر مستبعد) و1000 صوت من كتائبيي الساحل أو مدينة البترون (كتائبيو الوسط يؤيدون سعادة بغالبيتهم ولا وجود للكتائب في الجرد). يعني هذا أن الحدّ الأقصى لتحالف الجميل – حرب يمكن أن يصل في أحسن أحواله إلى 7 آلاف صوت. ويبقى الفارق 3 آلاف صوت.
هذا العرض، بالأرقام، قدّمه سعادة في الاجتماعات التي أُبلغ فيها بأن «المعركة اليوم هي معركة إسقاط جبران باسيل»، على ما يقول سعادة نفسه لـ«الأخبار». ويضيف: «اعترفوا بأن هذا الترشيح لا يسقط جبران، ولكنهم مجبرون على رفع هذا العنوان ليبلع الكتائبيون القرار، وليدغدغوا عواطف بعض المستقلين والمؤيدين لمجموعات المجتمع المدني ممن يتلاقون جميعاً عند هدف واحد هو إسقاط باسيل». اعترفوا بالأمر خلال الاجتماعات، كما يقول، «وحدا يقلي هالحكي مش مظبوط»!
كان يمكن لسعادة الاقتناع بخيارات رئيس الحزب لو أن المرشح الذي قرّر الجميل دعمه «يشكل إضافة»، لكنه سأل: «ما الذي يتغير بالأرقام لو جرت المحافظة على وجود الكتائب واعتُمد أي مرشح حزبي. ما الذي يتغير بالحواصل؟ لا يمكن أن نخوض معركة إسقاط جبران ونحن نعلم أن جبران لا يسقط بمعادلة مماثلة». فأتى الجواب أن «الأمر مهم من ناحية التسويق والـmarketing. عندها قلت لهم: عم تضحوا بالكتائب، وبتاني أكبر إقليم بلبنان كرمال الـmarketing؟».
يشدّد سعادة على أن الإتيان بمجد حرب وأمثاله وتقديمه على أنه ربح للكتائب «لا ينطلي على الكتائبيين. بالأمس كان ميشال معوض على لائحة التيار الوطني الحر، وعند تغير الموازين السياسية تركهم. أي مرشح غير حزبي ليس مضموناً، ولا يمكن أن يلتزم ضمن كتلة ما»، و«الواضح أن إقليم البترون يقدم ضحية في كل مرة لإتمام صفقة ما. اليوم الصفقة تحت عنوان توحيد الجهود للفوز بالمعركة الوطنية والسياسية الكبرى. يعيّروننا بهذه المعارك فيما أحدهم كان سابقاً مع التيار، والثاني على لائحة المردة والقومي. ما الذي تغيّر اليوم حتى تغيروا؟». ويؤكد أن إقليم البترون «لن يسكت على تسوية أخرى فوق رأسه خصوصاً أن من تدعمهم القيادة كانوا بالأمس ضمن رموز المنظومة التي يحاربونها اليوم».
قرار الجميل يضعضع كتائبيي البترون وتوجه لإقالة سعادة من رئاسة الإقليم
لمصادر الكتائب وجهة نظر أخرى تختصرها بعبارتين: «اليوم يوم ترشيح مجد حرب، هذا هو الحدث، واليوم تبدأ معركة إسقاط رموز المنظومة ابتداء من البترون، وكل الجهود ستوضع في إطار هذه المعركة التغييرية. موضوع سامر سعادة ثانوي ويُعالج ضمن الأطر الحزبية الداخلية والتنظيمية». وتؤكد المصادر أن الحزب «لا يضحي بالكتائبيين وسيكون حرب من ضمن تكتل النواب الكتائبيين والمستقلين الذين ستدعمهم الكتائب في كل الدوائر».
المشكلة لدى سعادة وكتائبيي البترون لم تبدأ أول من أمس. منذ أشهر تصل أخبار عن نية قيادة الحزب تبنّي ترشيح مجد حرب. لكن رئيس الحزب ومن حوله أكّدوا أن لا قرار في هذا الشأن. وفي كل مرة كان كتائبيو البترون يواجهون الرئيس ومسؤوليهم بالأمر كانوا ينفون، و«أحاديث الواتساب كلها موجودة»، يقول سعادة.
لاحقاً، حين بات دعم حرب مؤكدّاً، ثارت ثائرة الإقليم البتروني خصوصاً أنه لم يُستشر بالأمر، فاستلحق رئيس الحزب نفسه بدعوة رؤساء الأقسام لإجراء استشارات. وبحسب رئيس الإقليم، «جاءت النتيجة برفض الغالبية المطلقة، أي 70% أو 80%، لترشيح حرب. رغم ذلك استمروا باللعب على الكلام والادعاء أنهم يدرسون الموضوع. وقتها، لم يصدق الكتائبيون ما كنت أنقله لهم، وكانوا لا يزالوا يتأملون بنفي هذه الأخبار» قبل أن يعلنها سامي الجميل بالفم الملآن أول من أمس.
في اليومين المقبلين، يفترض أن يجتمع كتائبيو إقليم البترون الكتائبي لاتخاذ موقف جماعي موحّد. وفق سعادة، «الكتائب في الشمال يدفع ثمن المقايضات. وثمة إحباط لدى الكتائبيين الذين باتوا على اقتناع بأن القيادة تخلت عنهم في هذه المنطقة. الأمر لا يتعلق بشخصي أو بترشيحي. قلت لهم رشحوا أي كتائبي تريدون وسأدعمه، لكنهم رفضوا. لو كنت أبحث عن مركز لكنت قبلت بعروضهم الكثيرة لأسير بقرار دعم مجد حرب. رفضت لأنني غير مستعد للمساومة على رؤوس الشباب والكتائب في البترون. أنا أمين على إرث كبير ويكفي تسويات على حسابنا».
الأوساط القريبة من القيادة الكتائبية تروّج بأن سعادة يتجه للتعاون مع القوات اللبنانية، في محاولة لتأليب الكتائبيين ضده وإقناعهم بأن «انتفاضته» شخصية بحت. علماً أن هناك توجّهاً لدى قيادة الكتائب لإبعاد سعادة عن مركزه كرئيس لإقليم البترون وتعيين آخر مكانه الاثنين المقبل. وهي خطوة متأخرة. فأي رئيس إقليم جديد لن يتمكن من الإمساك بالقاعدة قبيل أشهر من الانتخابات النيابية.
كتائب البترون ثلاث مجموعات
تنقسم القاعدة الكتائبية في البترون إلى ثلاث مجموعات: الأولى في الساحل وكفرعبيدا تلتزم قرارات رئيس الحزب سامي الجميل. الثانية، وهي مجموعة الوسط، تناصر سامر سعادة وفي حال عدم ترشحه ستتضعضع، علماً أن قسماً منها تجمعه وباسيل علاقة تاريخية جيدة. أما المجموعة الثالثة فهي سياسياً أقرب إلى القوات.