IMLebanon

من يضمن بقاء أي رد إسرائيلي من دون “حرب شاملة”؟

 

 

في انتظار معرفة الهدف الذي ستختاره اسرائيل ليشكّل رداً على «صاروخ مجدل شمس»، فإن المواصفات التي قدمتها الادارة الاميركية ومعها عدد من الوسطاء، حيث في أذهان المراقبين نوعاً من «المسابقة الدولية»، تحوي سؤالا واحدا لتوصيف «رد محدود» لا يقود الى «حرب شاملة». وهو ما قاد الى معادلة يمكن تبسيطها بالقول انّ ما هو مطلوب «تنفيس» الاحتقان الاصطناعي الذي عبّر عنه القادة الاسرائيليون على ان يرد «حزب الله» بالمِثل. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟

ليست المرة الاولى منذ 7 تشرين الأول الماضي التي تطرح فيها على الساحتين الديبلوماسية والعسكرية مثل هذه المعادلة لإبقاء الحرب في قطاع غزة وجنوب لبنان ضمن سقوف محددة وقواعد اشتباك تتمدّد من وقت لآخر، الى درجة تمّ فيها الفصل بين «العمليات الامنية النقية» وما يمكن ان يشكل خروجا على هذه القواعد. فوضعت الاولى على لائحة مفتوحة لا تحدها كيلومترات محددة في عمق المناطق المتاخمة للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتَهاوَت سيناريوهات عدة وبقيت البدائل غامضة ملكاً لعدد قليل من المراجع العسكرية والسياسية التي ما زالت تدّعي القدرة على التحكم بمجرى العمليات العسكرية ورسم سقوف محددة لها.

 

وعلى هذه الخلفيات، شككت المراجع الديبلوماسية والدولية في ان يكون «صاروخ مجدل شمس» سبباً كافياً لتوسّع الحرب، والخروج عمّا رُسم لها حتى اليوم في موازاة الفشل المتمادي في التوصل الى وقف شامل ونهائي لإطلاق النار في قطاع غزة وغلافها لتسهيل أي عملية لتبادل الاسرى الاسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية ومَد القطاع بما يحتاجه من المساعدات الطبية والانسانية المفقودة، تعويضاً لسكانه ما لحق بهم من مجازر وتجويع لم تشهده اي حرب في العالم على رغم من حملات التضامن التي لقيها الفلسطينيون في كل أنحاء العالم وخصوصا في الولايات المتحدة الأميركية المتهمة بتوفير الدعم الاعمى لاسرائيل بلا اي سقوف محددة.

 

ولكن ما هو لافت انّ الضجة التي رافقت هذا الصاروخ قد تلاشت بسرعة قياسية لم تكن متوقعة، وخصوصا لما رسم حوله من سيناريوهات متواضعة تطاول ما يعيشه المجتمع الدرزي في كل من سوريا وفلسطين ولبنان من تناقضات لم تعد خافية على أحد، وسط مؤشرات تدل إلى انّ هذا المجتمع قد استوعبها على مضض. فألقيت التهمة مباشرة أو مواربة على إسرائيل بتدبير العملية لزرع الفتنة بين أبناء طائفة الموحدين الدروز الموزّعين في الساحات الثلاثة. وقد ظهر لاحقا ان اهل مجدل شمس قبلوا بما انتهت اليه المجزرة بعدما وضعتها قيادتهم الروحية تحت عنوان التضحية في سبيل «القضية العربية الكبرى»، ولو الى حين. فهم صدقوا النفي الذي أصدره «حزب الله» في اللحظات الاولى التي تلت الكشف عن حصيلة الحادثة وبوادر ردات الفعل السلبية، خصوصاً انه جاء معطوفاً مع مطلب لبنان بتحقيق دولي شفّاف تتولاه قوات «اليونيفيل» و»الاندوف» لقدرتهما على إعطاء صورة أوضح عما جرى. كما فشلت اسرائيل في استدراج المجتمع الدولي الى احتساب ما حصل وتسويقه على أنه «جريمة حرب» تبرّر لها ما ارتكبته في غزة، وسعيها الى اعتبارها محطة مفصلية في مجرى الحروب المتعددة التي تخوضها على «الجبهات السبعة» في غزة ولبنان وساحات المنطقة الملتهبة. ومردّ ذلك الى ما نادت به بعض الدول بإجراء تحقيق للتثبّت من مصدر الصاروخ، وهو ما ترجمه الاتحاد الاوروبي في وضوح ومعه اكثر من منظمة دولية قلّصت الاقتناع الدولي بالرواية الاسرائيلية على رغم من دعمها أميركيّاً الى درجة لا يُستهان بها ولا يمكن التشكيك بما قادت إليه من تريّث عند تحديد الهدف الذي سيطاوله الرد الاسرائيلي إن بقي قائماً.

 

والى هذه الملاحظات الدقيقة والواقعية، التي لا يمكن التخفيف من اهميتها، فقد سمح التريّث الاسرائيلي بالرد خلافاً لما حصل من قبل، بنحوٍ مقصود او غير مقصود بأن تتوسّع النظريات في توصيف أي رد محتمل. الى درجة اعتبر أن ليس ضرورياً ان كانت النية متوافرة بعدم التسبب بالحرب الكبرى. فما حصل في مجدل شمس لا يمكن البناء عليه بعدما اعترف الجيش الاسرائيلي اكثر من مرة بحصول ارتكابات أدّت الى قتلى وجرحى بـ»سلاح صديق» أدّى في احداها الى مقتل بعض الرهائن الاسرائيليين في غزة وفرق المساعدات الانسانية الدولية، عدا عن تلك التي تسببت بها أخرى يمكن ان تنطبق على ما حصل في مجدل شمس إن ثبت بطريقة ما، انّ ما اصاب الملعب في القرية السورية المحتلة كان صاروخا اسرائيليا اعتراضيا أُطلق في مواجهة صواريخ «حزب الله» من لبنان. فالتجارب السابقة متعددة وآخرها ذلك الصاروخ السوري الذي أُطلق قبل شهر تقريبا في اتجاه الصواريخ الاسرائيلية التي كانت تستهدف مواقع سورية وايرانية على الساحل السوري الشمالي، وقد اصاب منزلاً في احدى قرى عكار وحالت العناية الالهية دون اصابة ايّ من سكانه أو الجيران، ولم يكن هناك مفر من الاعتراف بما حصل.

 

وعلى هذه الخلفيات، توقفت المراجع المراقبة امام ما حققته الديبلوماسية الدولية السريعة التي رافقت حادثة مجدل شمس من نجاح لمجرد التحذير الدولي بعدم استهداف ايّ مرفق استراتيجي حيوي لبناني حكومي ورسمي. ذلك انّ اي عملية يمكن ان تستهدف العاصمة بيروت ومطارها او اي منشأة حيوية لن تكون متناسبة مع ما جرى في الجولان، ولن تمر بلا اي رد قد يكون اقسى مما حصل حتى اليوم. ولذلك فإنّ القيادة الإسرائيلية باتت في موقع المتهم سلفاً بالسعي الى توسيع الحرب وإبطال مساعي خفض التوتر الذي تسعى إليه واشنطن والعواصم الأخرى بطريقة تؤدي الى البحث عن هدف ثمين لـ»حزب الله» ليس متوافراً حتى اللحظة، خارج إطار عمليات اغتيال قادة الحزب الميدانيين بعدما وضعت السيناريوهات المُحدثة اي قيادي فلسطيني خارج الرد على هذه العملية حصراً، من دون احتمال حصولها لألف سبب وسبب وأيّاً كان مسرحها، حتى ولو كانت الضاحية الجنوبية لبيروت او اي معقل يمكن ان يكون للحزب ايضا.

وبناء على ما تقدم، فإنّ المراجع المراقبة لم تخرج بعد عن الإطار الذي رسمت قواعده على ما سبق من مؤشرات ومعطيات. ولذلك باتت الجهود المبذولة عند تقديرها لشكل الرد الإسرائيلي وتوقيته ومضمونه متوقفة عند حجم الصعوبات التي تمنع استشرافها المسبق، على رغم من انها غير مستبعدة في اي لحظة. ولا يمكن لأي شخص مهما علا شأنه ان يحددها سلفاً. فكل ما هو واضح حتى اللحظة ان القيادة العسكرية الاسرائيلية طرحت على القيادة السياسية اكثر من سيناريو من لائحة اهدافها المحتملة الكبيرة منها كما المحدودة، وهي عملية دقيقة وضعت تحت المراقبة في انتظار الامتحان الصعب في ضوء الالتزامات التي قطعها الجانب الاسرائيلي للحؤول دون الانتقال الى الحرب الكبرى في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً انّ كل السيناريوهات المطروحة لم تتجاهل بعد ما هو مُنتظر من رَد يَمني على عملية الحديدة، وهي عملية لم تغب بعد عن أذهان مَن يتَرقبّها والى اجل غير محدود.