الملابسات المحيطة بعملية قصف الملعب الرياضي في مجدل شمس في الجولان المحتل، وسقوط عدد من القتلى والجرحى من الأطفال وأهاليهم، أعادت إلى الأذهان المحاولة الملتبسة لإغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو ارجوف في حزيران عام ١٩٨٢، والتي إتخذها وزير الدفاع الإسرائيلي يومذاك أرئيل شارون مبرراً لغزو لبنان، وصولاً إلى بيروت ومحيط القصر الجمهوري في بعبدا.
وليس خافياً أن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو يتحيّن الفرصة المناسبة لفتح الجبهة في الشمال مع لبنان، لصرف الأنظار عن فشل حربه على غزة في تحقيق أهدافها، سواء بالنسبة لتحرير الرهائن، أو حتى القضاء على قيادة حماس. الأمر الذي يعزز الشكوك حول خلفية عملية مجدل شمس، التي سارع حزب الله إلى نفي مسؤوليته عنها، حيث هذه المنطقة ليست على خريطة المواجهة مع الجيش الإسرائيلي، ولأن التراشق المدفعي والصاروخي مستمر منذ أكثر من تسعة أشهر على جانبيّ الحدود، في الجنوب والجليل الأعلى، والمواقع العسكرية الإسرائيلية في أطراف الجولان الجنوبية.
لقد سبق لنتنياهو ووزراء اليمين المتطرف أن هددوا أكثر من مرة بشن حرب شاملة ضد لبنان، بحجة إبعاد حزب الله إلى شمالي الليطاني، تاركين بت أمر هذه العملية إلى ما بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن، ليعود ومعه التغطية الأميركية لتوسيع الحرب شمالاً.
ولكن النتائج المتداولة في الإعلام الإسرائيلي عن محادثات نتنياهو مع كل من بايدن وترامب، تُشير إلى رفض أميركي حاسم لأية محاولة لتوسيع المواجهة في الجنوب اللبناني، تجنباً لإنزلاق المنطقة كلها إلى حرب شاملة، أعلنت واشنطن أكثر من مرة رفضها السماح بمثل هذه المغامرة، لأنها غير مستعدة للتورط في حرب إقليمية، دفاعاً عن إسرائيل، على خلفية الرسائل الإيرانية المتكررة إلى الإدارة الأميركية، حول قرار طهران بالتدخل مباشرة، في أية حرب تشنها تل أبيب ضد حزب الله ولبنان.
عملية مجدل شمس الملتبسة توقيتاً ومضموناً، أشارت بأصابع الإتهام إلى الجانب الإسرائيلي، الذي يعمل على إثارة الفتن الطائفية، و«إختراع» المبررات للقيام بعملية عسكرية واسعة، براً وجواً ضد لبنان، بعدما فشلت الغارات الجوية المكثفة، وقصفها الوحشي على القرى الآمنة، وتدمير منازل المدنيين، وإتلاف الأراضي الزراعية بقنابل الفوسفور، في إسكات صواريخ الحزب، وإبعاد مقاتليه عن الحدود مسافة ١٣ كلم على الأقل، بحجة إعادة سكان المستوطنات المهجرين منذ تشرين الأول الماضي، إلى منازلهم قبل بدء العام الدراسي.
وينقل الإعلام الإسرائيلي حالة القلق التي يُعبر عنها مسؤولون سابقون في المؤسسات الأمنية والعسكرية، من إحتمال إقدام نتنياهو وفريقه الوزاري المتطرف، القيام بعملية برية واسعة في الأراضي اللبنانية، دون تغطية أميركية، وذلك قياساً على إصراره الإستمرار في الحرب على غزة، وعرقلته المتعمدة لمفاوضات الهدنة، رغم قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ومواقف عواصم القرار الرافضة لحرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيّون.
ومغامرة نتنياهو المتوقعة تبقى في دائرة الخسارة شبه المؤكدة، لعدة عوامل مستجدة، ومن الصعب تجاهلها. مثل الإنهاك الذي أصاب الجيش الإسرائيلي بعد أطول وأشرس حرب يخوضها في تاريخ الدولة العبرية، ورفض العديد من الجنود والضباط الإحتياط من العودة للخدمة العسكرية، ولو لبضعة أسابيع فقط، فضلاً عن التأخر المتعمد لشحنات الأسلحة والذخيرة الأميركية. وما يُقابل كل ذلك من إحتمالات دخول جبهات أخرى الحرب عن بعد، مثل إيران واليمن والعراق، بعدما نجحت مسيّراتهم في الوصول إلى الفضاء الإسرائيلي.
فهل يتجرأ نتنياهو ويخوض في هستيرية الحرب في لبنان بدون تغطية واشنطن؟
الموقف الأميركي الداعي للتهدئة بدا واضحاً في الإتصالات التي أجراها هوكشتاين مع المسؤولين في بيروت وتل أبيب داعياً إلى إبقاء الوضع تحت سقف «قواعد الإشتباك».
ولكن يبقى الرهان الأميركي على موقف وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، الذي خفف من تهديداته للبنان بعد زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وعاد بعد محادثاته في البنتاغون أكثر «إقتناعاً» بضرورة تجنب إندلاع حرب شاملة مع لبنان، وعدم إعطاء فرصة لإيران لتوسيع نفوذها في المنطقة، وتعزيز مواقع أذرعتها العسكرية في البلدان التي ينشطون فيها.
الأيام المقبلة حبلى بكثير من التهديدات..، وأهل السياسة عندنا كُلٌّ على مزبلته صيّاح!