يكتشف اللبنانيّون أكثر وأكثر، وكلما طال أمد أزمة النازحين السوريين أنّ المجتمع الدولي غيرُ مبالٍ للنتائج الكارثية التي تسبّبها تلك الأزمة على بنية الوطن، ويظهر ذلك جلياً من خلال عدم القيام بأيّ خطوة لإعادتهم الى بلادهم أو أقله دعم لبنان إقتصادياً على الصمود ومواجهة التحديات.
ما يهمّ الدول الكبرى التي هلع رؤساؤها ومسؤولوها الى لبنان منذ العام الماضي أن تبقى هذه البقعة التي تدعى لبنان سجناً كبيراً للنازحين، أي إنها لا تمانع في فتح بوابة هذا السجن من الحدود الشرقية والشمالية لعودة النازحين الى بلادهم، لكنه ممنوعٌ منعاً باتاً حدوث أيّ ثغرة في البوابة البحرية لكي لا يعبر النازح شواطئ المتوسط ويصل الى أوروبا التي عانت من الإرهاب طوال الفترة الماضية، وما زالت تعيش تحت وطأة تجدّد الهجمات، وعلى رأس تلك الدول فرنسا.
هذه المعادلة التي تحكم لبنان حالياً تجعله في وضع لا يُحسد عليه، وهذا الأمر يعرفه المسؤولون اللبنانيون جيداً، فمن جهة لبنان ليس تركيا لكي يفتح بوابة جحيم النازحين على أوروبا ويهدّدها بهم ويحقق مكاسب إقتصادية، ويضرب علاقته بها وخصوصاً مع باريس، ومن جهة ثانية فإنّ الدولة اللبنانية الضعيفة تفتقد الى رؤية وخطط للخروج من تلك الكارثة. فكيف لدولة لا تقوى على رفع أكياس النفايات من الشارع، أن تواجه إعصار النزوح، في حين ينهشها الفساد من كلّ حدب وصوب؟
يعقد القيّمون على الدولة اللبنانية إجتماعاتٍ مكثّفة وشبه يومية مع سفراء الدول الكبرى والأمم المتحدة وممثلين عن الجمعيات الدولية التي ترعى النازحين، ورغم كلّ صيحات الإغاثة والإستنجاد والإستنكار، فإنهم لا يقدّمون عملياً أيّ خطوات جدية.
ويتبيّن في الممارسة أنّ تلك الدول تقف مع النازحين ضد لبنان، فمطلبٌ بسيط مثل شراء الإتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية إنتاج التفاح اللبناني وتوزيعه على النازحين في لبنان والأردن من أجل دعم المجتمعات المضيفة للنازحين لم يلقَ آذاناً صاغية، وكلّ ما تفعله تلك الجمعيات الدولية وحتّى المحلية منها هو طلب المزيد من لبنان، وإذا خرجت أصوات تنادي بضرورة ضبط النزوح فإنّ إتهام العنصرية جاهزٌ تماماً لمَن يصرخ من وجعه.
لم يلقَ لبنان الدعم المطلوب من المجتمع الدولي، وخصوصاً في مجال التقديمات الاقتصادية التي وعد بها، فيما يبقى الدعمُ الوحيد والملموس هو في مجال الأمن، إذ إنّ المعادلة الواضحة باتت: «خذوا الأمن ولا تتّكلوا علينا في الاقتصاد».
ويعود الإهتمامُ الدولي بالأمن لأسبابٍ عدة أبرزها محاربة التطرف والإرهاب، وثانياً منع إنفجار الوضع اللبناني وتسيّب مرافق الدولة، لأنّ الدخول في أيّ حرب أهلية أو مواجهات في ظلّ وجود نحو مليوني سوري وأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني سيفتح شواطئ المتوسط أمام كلّ الإحتمالات العسكريّة ويصبح لبنان قاعدة متوسطية تُستخدم لتمدّد الإرهاب والنازحين نحو أوروبا والدول الغربية.
هذا الكلام الذي قاله أكثر من مسؤول غربي يعرفه المسؤولون اللبنانيون جيداً، لكن كلّ ما يفعلونه هو إبراز مقدمة الدستور التي تنصّ على رفض التوطين من دون اتخاذ خطوات نحو ترحيل مَن يجب ترحيله، خصوصاً أنّ هناك مناطق آمنة في سوريا في يد المعارضة او النظام على حدٍّ سواء.
فخلال الحرب اللبنانية، لم ينزح مَن تهجّر من الجبل أثناء الحرب الدمويّة الى حمص أو دمشق، بل أتى الى كسروان والمتن، والعكس صحيح. في المقابل يغيب عن بال الدول الكبرى أنّ الأمن وحده غيرُ كافٍ، لأنّ الفقر يُولّد الإرهاب والتطرّف والحروب ويهدّدها.
مع بداية السبعينات وتمدّد العمل الفلسطيني المسلّح مستفيداً من وقوف قسم كبير من اللبنانيين ضدّ بلدهم، وبعدما عطل القرار السياسي عملَ الجيش، جمع رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية الزعماء المسيحيين وقال لهم «إتّكلوا على أنفسكم فلم يعد عندنا جيش».
أما اليوم، وفي ظلّ غياب رئيس الجمهورية على رغم وجود جيشٍ قوي ومدعوم من أميركا والغرب، مَن سيَجمع الزعماء اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والدينية إذا استمرت كارثة أزمة النازحين ليقول لهم «لم يبقَ عندنا إقتصادٌ ودولة»؟