فشلت المناورة السياسيّة في التمديد لرئيس الأركان اللواء أمين العرم والمفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحاق. كان وليد جنبلاط يعتقد بأن التسوية من تحت الطاولة بينه وبين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لتعيين العقيد زياد قائد بيه مساعداً أول لقائد الشرطة القضائيّة مع الإطاحة بـ5 ضبّاط أعلى رتبة منه، يُمكن استنساخها في قيادة الجيش، إلا أن الأمر لم يكن كذلك.
وليس جنبلاط وحده من استغل قانون الدّفاع للحفاظ على سطوته الطائفيّة في الأسلاك العسكريّة. تعود السوابق إلى العهد الرئاسي الأوّل بعد الطائف، وتحديداً عام 1995 عندما طلب الرئيس السوري حافظ الأسد من الرئيس إلياس الهراوي التمديد لقائد الجيش إميل لحود، وذلك بعد تمديد ولاية الهراوي الرئاسية. ثم توالت حالات التمديد حتى ضُربت روحية قانون الدفاع الذي يُجيز تأجيل التسريح ربطاً بضرورات الخدمة العسكريّة والأوضاع الاستثنائيّة، إلى التسريح من أجل الحفاظ على الخصوصيات الطائفيّة والسياسية داخل الأسلاك العسكرية والأجهزة الأمنيّة.
فعلياً، لا شيء يدفع قائد الجيش العماد جوزف عون إلى توقيع اقتراح تأجيل تسريح العرم وإسحاق، خصوصاً أن تسيير الأعمال في المؤسسات العسكريّة مكفول بحكم القوانين الداخلية. هذا ما حصل عام 2008 عندما تولى رئيس الأركان الدرزي اللواء شوقي المصري قيادة الجيش بالنيابة بعد انتخاب ميشال سليمان رئيساً. وتكرّر في المديريّة العامة للأمن العام عندما كلّف ضابط مسيحي هو العميد ريمون خطار مديراً عاماً بالإنابة خلفاً للضابط الشيعي اللواء وفيق جزيني، وعام 2013 حينما أُحيل اللواء أشرف ريفي إلى التقاعد وحل العميد الكاثوليكي روجيه سالم مكانه مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي بالإنابة.
ولأن قانون الدّفاع منح قائد الجيش صلاحية تكليف الضابط الأعلى رتبة مكان الضابط الذي أحيل إلى التقاعد بغض النظر عن طائفته، فإنّ البعض يعتبر أنّ استخدام الاستثناءات القانونيّة لا يمت إلى ضرورات عمل المؤسسات العسكريّة بصلة، بل هدفها الحقيقي الحفاظ على «المحميّات» السياسيّة والطائفيّة. ويبرّر هؤلاء لوزير الدفاع موريس سليم «رفضه المقنّع» تمرير اقتراح تأجيل تسريح العرم وإسحاق، انطلاقاً من الاعتبارات القانونيّة للمؤسسة العسكريّة، إذ إنّ الأمور العملانيّة داخل المؤسسة لا تتعطّل في حال أحيل رئيس الأركان إلى التقاعد.
بالنسبة لهم، لا شيء يدفع سليم إلى التوقيع «طالما أن التعطيل غير واقع خصوصاً أن وزير الدفاع رفضه لأسبابٍ قانونية وليس سياسيّة باعتباره وزيراً مستقيلاً لا يُمكنه أصلاً أن يُمدّد لضابطٍ أحيل إلى التقاعد»، وهو يرى أنّ التمديد كالتعيين وليس كتسيير الأعمال (لوجود حلول أُخرى). ولذلك يؤكد سليم أنه يمكن أن يوقع كلّ مراسيم ترقيات الضباط مع إحالتها بصيغة مرسوم بـ24 توقيعاً لوزراء الحكومة». وهذا، من وجهة نظر المُدافعين عن قرار سليم، يعني أن الأخير يريد غطاء من الحكومة، لأن العادة درجت أنّه في حال تم التوافق السياسي على التمديد لأحد الضبّاط فإن القرار يُبلّغ إلى وزير الدفاع شفهياً عند انعقاد مجلس الوزراء، وبالتالي، فإن سليم يتصرّف بحسب السقوف المرسومة سلفاً.
في المقابل، لا يوافق آخرون على هذه النظريّة لأنّ قائد الجيش، بحسب المعلومات، لن يُكلّف ضابطاً بديلاً عن العرم لأنّه ليس رئيس وحدة، بل هو الضابط الأعلى رتبة بعد قائد الجيش، وبإمكان الأخير أن يسترجع الصلاحيات المُعطاة منه إلى رئيس الأركان. مع ذلك، فإنّ غياب العرم وإسحاق يعني فقدان المجلس العسكري نصابه القانوني وتعطيل بعض المهام الإداريّة كدورات الضبّاط إلى الخارج وتسريح العسكريين، خصوصاً أنّ نصاب المجلس محدّد بـ5 أعضاء من 6 ويملك قائد الجيش فيه صوتين بدلاً من صوت، فيما حضوره يُعد شخصاً وليس اثنين. بالتالي، يخشى هؤلاء بأن يُعيد عون سيناريو قائد الجيش السابق جان قهوجي حينما «أكل» صلاحيات المجلس العسكري واستأثر بالقرارات داخل المؤسسة.
يرى وزير الدفاع أنّ التمديد كالتعيين وليس كتسيير الأعمال
وإذا كان متابعون يناقشون قرار سليم من الناحية القانونيّة، فإن هناك من يربط القضية بالصراع السياسي الدائر، ويُدلّل إلى بصمات التيار الوطني الحر في جعل العرم «كبش محرقة» في الخلاف بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والنائب جبران باسيل. هؤلاء يؤكّدون أنّ اقتراح قائد الجيش كان «مفخخاً» من قبل ميقاتي «للاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهوريّة»، لافتين إلى أن الأخير اعتمد الأسلوب نفسه الذي اعتمده عندما دعا إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء مُضمّناً جدول الأعمال بنوداً تتعلق بتسديد المستحقات إلى المستشفيات عن سنة 2022، وهذا ما حصل أيضاً في اقتراح عون الذي ضمّنه مرسوم مساعدات العسكريين للضغط على سليم لتوقيع المرسومين معاً.
ولذلك، فإنّ الفريق القريب من باسيل يرى أنّ تمرير الاقتراح يعني إنعاش حكومة تصريف الأعمال وإعطاء ميقاتي «الصلاحيات الذهبيّة» واستسهال سابقة تمرير جميع المراسيم المستقبليّة ممهورة بتوقيع ميقاتي والوزير المعني، ما يلغي الحاجة إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ويتساءل هؤلاء: «لماذا لا يقبل ميقاتي بما اقترحه سليم بتوقيع الـ24 وزيراً طالما أن هذه الصيغة توافق عليها جميع القوى السياسية التي كانت ممثلة في حكومة الرئيس تمام سلام وهي ممثلة أيضاً في حكومة ميقاتي؟».