IMLebanon

اللواء الحسن.. وسام السنوات الأربع

التاسع عشر من تشرين الأول العام 2012، دوي انفجار ضخم في حي «ابراهيم المنذر» في منطقة الأشرفية، وجع جديد في بلد تعوّد أبناؤه على سماع هذا الصوت بين فترة وأخرى، وعلى تشييع شُهداء ينتمون إلى وطن تترافق فيه الأوجاع على مدار السنة، سنة لا يخلو شهر فيها من دون ذكرى شهيد. صوت هزّ العاصمة وأعاد الناس بذاكرتهم إلى يوم الرابع عشر من شباط عام 2005، فبدا وكأنه مسلسل تتجدد فيه حلقات القتل ويتوزّع فيه الموت داخل فريق واحد، فريق حمل رايات النصر والشهادة ومشى إلى قدره.

اليوم تحل الذكرى الرابعة لرجل رهن حياته للوطن ووهب روحه فداءً للحقيقة. رجل لا تكفي أوسمة العالم كله، للتعبير له عن الامتنان والشكر عن كل مسمار دقّه في نعش الإرهاب والعمالة. رجل استطاع أن يُحدث بفترة قصيرة قفزة نوعية في عالم الأمن في لبنان، من خلال الإنجازات العديدة التي تحققت على يد شعبة «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي التي كان يرأسها ويُشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها، والتي ما زالت مستمرة رغم الفراغ الكبير الذي تركه غيابه في نفوس اللبنانيين وضباط وعناصر «الشعبة» الواعدة والصامدة والعاملة دائماً على العهد والوفاء. إنه يوم الشهيد اللواء وسام الحسن.

في مثل هذا اليوم منذ أربع سنوات، دخل الجميع في حالة من الصمت والذهول، الجميع راح يتكهن حول هويّة الشخصية المُستهدفة خصوصاً أن حالات مُشابهة مرّ فيها لبنان، كانت نتائجها خسارة شخصيّات سياسية وأمنية وعسكرية. لم تطل الاستنتاجات ولا التكهنات، فبعد أقل من ساعتين جاء الخبر اليقين وسام الحسن شهيد عند ربه استهدفته يد الإجرام والقتل بعبوة تفوق زنتها الخمسين كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار وهو الاغتيال الأضخم الذي يقع منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولتُفتح بعده، مرحلة جديدة من اللا إستقرار أمنياً وسياسياً في البلد، إذ شهدت السنوات التي تلت الفاجعة، اغتيال العديد من الشخصيات بينها محاولات كانت باءت بالفشل.

هاجس وحيد كان يُسيطر على اللواء الشهيد قبل رحيله، هو هاجس الوصول إلى حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. استطاع الحسن الوصول خلال فترة قصيرة إلى جملة نتائج وبراهين تُدين الجهة المتورطة، إن على صعيد الشهود أو حتى المتهمين بالإضافة إلى قرائن تُحدد الجهة الفاعلة. لكن أبرز الأسباب التي جعلت الحسن هدفاً للجهة القاتلة وتحديده كهدف أساسي للتخلص منه، كانت جملة إنجازات حقّقها: اعتقال أربعة ضُبّاط متهمين باغتيال الحريري، الكشف عن «داتا» اتصالات تتعلق بعملية الاغتيال، توقيف ما يزيد عن ثلاثين شبكة تجسس تعمل لصالح إسرائيل أهمها مجموعة العميل العميد المتقاعد أديب العلم والعميد المتقاعد فايز كرم، الكشف عن جريمة «عين علق» ومنفذيها واكتشاف جهات مسؤولة عن تفجيرات عديدة وقعت منها: ثكنة فخرالدين، التل، العبدة والبحصاص. كما تمكن بمساعدة من خيرة الضبّاط في «الشعبة» من التقاط خيوط حول انفجار كان وقع في منطقة «القزاز» في دمشق في أيلول العام 2008.

لعب اللواء الحسن دوراً بارزاً في تثبيت عامل الاستقرار في البلد منذ أن تولى رئاسة «المعلومات» بتاريخ 12 شباط العام 2006 حيث كان يومها برتبة مقدم، واستطاع على رأس هذا الجهاز، إحباط العديد من المخططات التي كان يمكن أن تستهدف استقرار البلد مثل تفكيك شبكات تجسس إسرائيلية والقبض على مجموعات إرهابية تتبع لتنظيمي «القاعدة» و«فتح الإسلام»، كانت تنوي زعزعة الأمن وإحداث فتن مذهبية، بالإضافة إلى الصيد الأهم وهو اكتشاف شبكة (سماحة- مملوك) التي كانت السبب الأساس في إزاحته من الطريق ليتسنى للعابثين بالأمن، استكمال مهماتهم التخريبية، فصدر القرار باغتياله بطريقة مُحكمة لا يُمكن الإفلات منها خصوصاً في ظل المعلومات التي وردت بعد استشهاده والتي تحدثت عن سيارة أخرى مجهزة بالمتفجرات، كانت تنتظر اللواء الحسن عند تقاطع طريق آخر كان يُمكن ان يسلكه.

كل من عاصر الشهيد الحسن في حياته، من أصدقاء وأقارب، جميعهم يؤكدون أن الرجل كان يتخذ في حياته جميع الاحتياطات الأمنية والتمويهات في المواكب بالإضافة إلى السريّة البالغة التي كان يعتمدها في تنقلاته، ويُشدد هؤلاء على أن كل هذه الاحتياطات، جعلت منه الرجل الذي لا يُمكن اغتياله بسهولة، خصوصاً وأنه في كثير من الأحيان كان يصِل إلى منزل أو مكتب صديق، في توقيت كان يختاره هو من دون تحديد موعد مسبق، وكثيراً ما كان يُفاجئ حتّى أشد المقربين اليه بمثل هذه الزيارات. وبناء على هذه المواصفات التي تمتّع بها في حياته، يُمكن الجزم بأنّ عملية إغتياله قد جرى الإعداد لها بطريقة منظمة ومحترفة بين رصد ميداني وتحضير، إضافة إلى توزيع عناصر المراقبة على الطرق التي يمكن أن يسلكها، وهذا بحاجة إمّا إلى أنظمة وأجهزة أمنية كبيرة، أو إلى جهة محلية كانت أم خارجية، تمتلك هذه المواصفات.

كل ما ورد، يؤكد أن اللواء الحسن، كان هدفاً دائم التحرّك، للعدو الإسرائيلي والنظام السوري على حد سواء. ويوماً بعد يوم، يتم التأكد بشكل قاطع، أن عملية اغتيال الحسن كانت محطة فاصلة في الحالة السياسية التي وصل اليها لبنان لا سيما بعد التداعيات التي عاشها لبنان خلال الفترة المُمتدة بين اغتيال الرئيس الحريري والوزير الشهيد محمد شطح، فالحسن لم يكن بعيداً عن الكثير من المعلومات التي كانت تتعلّق بعمليات اغتيال كان يُمكن أن تستهدف سياسيين وأمنيين وعسكريين لبنانيين، وقد سُجل له إنقاذ حياة كثيرين سواء من خلال تنبيههم أو من خلال الكشف عن عمليات الاستهداف قبل حصولها. ويُسجّل للحسن، أنه كان الأكثر إطلاعاً على ملف «شهود الزور» والفبركات التي تفنّن بها النظام السوري وحلفاؤه لحرف الأنظار عن المتهم الحقيقي في «جريمة العصر».

صحيح أن وسام الحسن قد غاب، لكن مشروعه القاضي بالنأي بالبلد عن الصراعات الأمنية والانزلاق بلبنان إلى حرب أهلية، ما زال قائماً، و«الشعبة» التي زرع فيها روح العطاء بلا مقابل والوطن الذي حلم به ملجأ لكل أبنائه، سيظلاّن شوكة في عين من يسعى إلى التخريب أو الترهيب.