أكثر التفجيرات وأكبرها مغزى هو التفجير الارهابي بالقرب من المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وهو يعلن بنفسه عن نفسه وعن هدفه الأصلي وهو هجوم الاسلام التكفيري على الاسلام الحنيف في عقر داره! وهو الاشارة الحاسمة الى أنه عندما يصل الى هذه المرحلة فإنه سينطلق منها لغزو العالم بأكثر الوسائل همجية بما لم يعرفه تاريخ البشرية من قبل! ويتعرض الاسلام الحنيف في الواقع الى حربين: احداهما حديثة وهي التي أطلقها صموئيل هنتنغتون في نظريته عن صدام الحضارات، وأطلقت تيار الاصلاحيين الجدد في أميركا. والثانية عميقة في التاريخ ومنبثقة من بيئة الاسلام نفسه، ولكن تطرفها التكفيري يضرب أسس الدين الحنيف.
***
العاهل السعودي الملك سلمان قال: ما يشهده العالم الاسلامي اليوم من فرقة وتناحر يدعونا جميعاً الى بذل قصارى الجهد لتوحيد الكلمة والصف، وهذا صحيح ولكن كيف؟ عرفت الأديان انقسامات وصراعات في داخلها، وكما في الاسلام كان الصراع بين المذاهب على الضفتين السنية والشيعية وداخل كل منهما، كذلك في المسيحية والصراع والانشقاق بين الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية. والضرب بيد من حديد قد يكون ضرورياً، ولكن وحده لا يكفي، لأنه يبقى في اطار معالجة المشكلة على السطح، ولا يذهب الى معالجة أصول المعضلة الضاربة في العمق.
***
بعد انتشار الثقافة التكفيرية التي تهدد الحضارة الانسانية بالتدمير، لا بد أن يكون لها ما بعدها… فإما أن يكون رد الفعل من طبيعتها ويصب في أقنيتها ومجراها فيعلن آنذاك نهاية التاريخ بالنسبة للأمة والعرب والمسلمين بالمفهوم السلبي. وإما أن يكون انقاذياً ومبهراً، ويضع الأسس ل المصالحة التاريخية الكبرى في الاسلام كرد نهائي على الفتنة الكبرى في الاسلام التي تعود جذورها الى نحو ألف وأربعمائة سنة! وهذا التوجه التاريخي حدث في المسيحية نحو المصالحة الكبرى بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية بلقاء البابا فرانسيس وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية كيريل في كوبا في شباط/ فبراير الماضي بعد جفاء استمر قرابة عشرة قرون، وبدأ عام ١٠٥٤.
***
الفتنة التكفيرية المعاصرة هي امتداد متطور ل الفتنة الكبرى في الاسلام، والقضاء عليها يكون، ليس فقط الضرب بيد من حديد، وانما أولاً العودة بجرأة الى الجذور، ومعالجة المعضلة في أساسها… والمصالحة التاريخية في الاسلام، تحتاج الى رجال تاريخيين!