مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة إنتخابيّة، وإعتماد مبدأ التصويت النسبي للمرّة الأولى في تاريخ الإنتخابات النيابيّة محلياً، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها: هل سيُؤمّن القانون الإنتخابي الجديد صحّة التمثيل وعدالته، وهل ستنجح الأقليّات في تأمين مقاعد لها بعد أن كانت مَحادل الأكثريات تُلغي تمثيلها، والأهمّ هل ستنجح الأحزاب الكُبرى في الإحتفاظ بكتلها النيابيّة الواسعة أم أنّها ستتعرّض لخروقات حتميّة؟
بحسب خلاصة آراء مجموعة من الخبراء في الإحصاءات الشعبيّة وفي دراسة عمليّات الإقتراع وفي إحتساب الأصوات تقديرياً، يُمكن القول إنّ التغيير الأكبر على صعيد حصص الطوائف جاء لصالح المسيحيّين الذين صار باستطاعتهم تأمين وصول ما بين 48 إلى 54 نائباً بأصواتهم الذاتيّة (يختلف الرقم بحسب الخبراء)، بعدما كان قانون «الستّين المُعدّل» الذي إعتمد في الدورة الأخيرة يسمح بوصول 24 نائباً فقط بأصوات المسيحيّين من أصل 64 نائبًا، وصل مُعظمهم بتأثير كلّي أو جزئي من ناخبين لبنانيّين غير مسيحيّين. وبالتالي، وعلى الرغم من أنّ القانون الجديد لم يُحرّر كل المقاعد المسيحيّة التي بقي قُسم منها تحت تأثير الناخب المُسلم، إلا أنّ ما تحقّق بفضل القانون الجديد يُعتبر تقدّماً نوعياً. وعلى صعيد تأثير المذاهب في العمليّة الإنتخابيّة، ودائماً بحسب خلاصة آراء مجموعة من الخُبراء، فإنّ الناخبين السُنة باتوا قادرين على حسم النتائج بالنسبة لما مجموعه 34 مقعداً، بينما الناخبين الشيعة صاروا قادرين من جهتهم على حسم النتائج بالنسبة لما مجموعه 30 مقعداً.
تذكير أنّ مقاعد المجلس النيابي اللبناني مقسومة مُناصفة بين المُسلمين والمسيحيّين، أي 64 نائبً لكل من الطائفتين، وهي مُوزّعة مَذهبياً على الشكل التالي: 34 مقعداً للموارنة، و27 مقعداً لكل من السنّة والشيعة، و14 مقعداً للروم الأرثوذكس، و8 مقاعد لكل من الدروز والروم الكاثوليك، و5 مقاعد للأرمن الأرثوذكس، ومقعدان للعلويّين، ومقعد واحد لكل من الأرمن الكاثوليك، والإنجيليّين، والأقليّات.
وبحسب آراء مجموعة من الخبراء في الشأن الإنتخابي، إنّ الأحزاب الكبيرة أو الواسعة الإنتشار شعباً ستستفيد من قانون النسبيّة لجهة الدُخول إلى دوائر تملك فيها حيثيّة شعبيّة، لكنّ القانون الأكثري كان يظلمها فيها بسبب حصر التمثيل النيابي بالجهة التي تحصل على أغلبيّة الأصوات، حتى لوّ كانت هذه الأغلبيّة ضئيلة ومحدودة جداً. وعلى سبيل المثال، سيتمكّن «التيار الوطني الحُرّ» مبدئيًا من الدخول إلى الشوف وإلى عكار، حيث يتمتّع بحيثيّة شعبيّة، لكنّها لم تكن كافية لقلب موازين القوى. وأضاف الخبراء أنّ الأحزاب الكُبرى ستتضرّر في المُقابل في دوائر أخرى، لأنّ سيطرتها سابقًا على بعض الدوائر الإنتخابيّة لم تكن مُطلقة، بل كانت عبارة عن سيطرة بالأغلبيّة. وهذا ما حصل في كسروان على سبيل المثال حيث فاز «التيار الوطني الحُرّ» بالمقاعد الخمسة في إنتخابات العام 2009، وكذلك في جبيل حيث فاز بالمقاعد الثلاثة، وهذا الأمر لن يحصل حتماً في دورة إنتخابات العام 2018 لأنّ الأرقام جاءت مُتقاربة في القضاءين في الدورة الأخيرة، ولوّ مع أغلبيّة صغيرة لصالح «التيّار».
ودائماً بحسب الخبراء، إنّ الأحزاب الصغيرة مثل «الحزب القومي السوري الإجتماعي» و«الحزب الشيوعي اللبناني» وحتى كل مُرشّحي «المُجتمع المدني» كانت ستحظى بفرصة كبيرة لتحصيل مجموعة من المقاعد النيابيّة، في ما لوّ جرى إعتماد لبنان دائرة واحدة، أو على الأقلّ تقسيمه إلى خمس أو ست دوائر كُبرى، لأنّ تمثيلها موزّع في لبنان بكامله، لكنّه غير كاف لفوزها وحيدة وبشكل أكيد في أي دائرة من الدوائر الحالية الصغيرة نسبياً، وعددها 15 دائرة.
ولفت الخُبراء أنفسهم إلى أنّ الفوز بأكبر عدد من المقاعد وفق القانون النسبي وبحسب التقسيمات التي أقرّها القانون الجديد يستوجب أمرين مُهمّين: الأوّل أن تتمكّن اللائحة المعنيّة من تأمين «الحاصل الإنتخابي» الذي يتمّ تحديده عبر إحتساب عدد المُقترعين الإجماليّ مقسوماً على عدد المقاعد، بمعنى آخر إذا كان عدد المُقترعين في إحدى الدوائر الإنتخابيّة 50000 ناخب وعدد المقاعد 5، يجب تأمين 10000 صوت على الأقلّ للفوز بمقعد واحد و20000 صوت للفوز بمقعدين، وهكذا دواليك. وأضافوا أنّ الأمر المُهم الثاني يتمثّل في ضرورة تأمين «الصوت التفضيلي» لأنّ هذا الصوت سيُعطي الأفضليّة لمرشّح على مُرشّح آخر ضُمن اللائحة الفائزة نفسها. وتوقّع الخبراء أنّ يُؤدّي «الصوت التفضيلي» إلى حزازيّات بين المُرشّحين ضُمن نفس اللائحة، خاصة إذا كانت عبارة عن إئتلاف سياسي مُوسّع وغير مُتجانس.
وبحسب خلاصة آراء مجموعة الخبراء نفسها، من الضروري على أي لائحة مُنافسة تأمين أكبر قدر مُمكن من «الحاصل الإنتخابي» للتمكّن من الفوز بأكبر عدد مُمكن من المقاعد، ثم عليها توزيع «الصوت التفضيلي» بشكل مدروس و«ذكي» ومبني على حسابات عدديّة ومذهبيّة دقيقة، بين أعضاء اللائحة الواحدة، لأنّ حصرها بمرشّح واحد أو إثنين مثلاً سيضمن فوزه أو فوزهما بدون أدنى شكّ، لكنّه قد يؤدّي إلى إرتفاع فرص التعرّض للإختراق من قبل مرشّحين على لوائح مُنافسة.
وخلص الخبراء أنفسهم إلى توقّع أنّ يخسر «التيّار الوطني الحُرّ» بعض المقاعد في الدوائر التي كان يُسيطر عليها سيطرة مُطلقة، أي كسروان وجبيل وجزين وإلى حد ما المتن، في مُقابل دُخوله إلى دوائر جديدة مثل الشوف وعاليه وعكار وغيرها. وتوقّعوا أنّ يكون تراجع «تيّار المُستقبل» واضحاً في العدد الإجمالي لنوّاب كتلته، بسبب مُواجهته مُنافسة ضمن بيئته السنّية الحاضنة من قبل خُصوم قدامى وجُدد على السواء، وبسبب عدم قدرته بعد اليوم على الإحتفاظ بمُختلف المقاعد المسيحيّة التي كان يُسيطر عليها. وتابع الخبراء أنفسهم أنّ كلاً من «حزب الله» و«حركة أمل» قد يخسرون بدورهم عدداً قليلاً من مقاعد كتلته، لكنّهما سيستفيدان في المُقابل من إيصال حلفاء لهما كانوا خارج الندوة البرلمانيّة حتى الأمس القريب. وبالنسبة إلى «القوّات» فإنّ حُظوظها كبيرة برفع عدد نوّابها من خلال الدُخول إلى دوائر جديدة كانت غائبة عنها، بشرط أن تتمكّن من الإحتفاظ بمقاعدها النيابيّة الحالية. أمّا «الحزب التقدمي الإشتراكي» فحجم كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي كان يتزّعمها سيتقلّص تلقائيًا، نتيجة تنازله المطلوب مُسبقًا عن بعض المقاعد المسيحيّة، إذا كان راغبًا في الإحتفاظ بمقاعده الدرزيّة التي سيُنافسه عليها كل من «الحزب الديمقراطي اللبناني» وحزب «التوحيد العربي»، في ظلّ فرص إختراق أكبر للأوّل منه للثاني على المُستوى الدرزي. وفي ما خصّ حزبي «الكتائب» و«المردة» فإنّ إحتفاظهما بنفس حجم كتلتيهما سيُمثّل إنجازاً، لأنّ على «المردة» تعويض الإختراق المُتوقّع لقضاء زغرتا بالتمدّد شمالاً، علماً أنّه سيتقاسم الفوز مع «القومي»، بينما على «الكتائب» السعي لأن يكون مُرشّحوها في المناطق على لوائح قويّة وقادرة على تأمين «الحاصل الإنتخابي» لأكثر من مرشّح في آن واحد. وبالنسبة إلى مُرشّحي «المُجتمع المدني» وعلى الرغم من أنّ قانون التصويت النسبي مُنصف إلى حدّ كبير لهم، فإنّ عدم توحّدهم خلف مجموعة قليلة من المُرشّحين سيؤدّي إلى تشتّت أصواتهم وإلى عدم تسجيلهم نتائج مُهمّة في الإنتخابات المُقبلة ودائماً حسب خلاصة آراء مجموعة من الخبراء في الشأن الإنتخابي.