Site icon IMLebanon

زمن التحوّلات الكبرى       

ما كان في الأمس خيالاً أصبح اليوم حقيقة، وما لا يصدَّق اليوم قد يصبح غداً واقعاً.

يبدو أنّ الشرق الأوسط لن يكون وحده مسرح تحوّلات جيوسياسية، بل إنّ هناك كثيراً من المناطق في العالم قد تكون مقبلة على تحوّلات كبرى، وإنْ بغير حروب عسكرية وعمليات انتحارية وضربات أمنية.

في شباط الماضي، نشرَت وكالة «ستراتفور» الاستخبارية الأميركية تقريراً توقّعت فيه سقوط العديد من الدول العربية، وانقسام منطقة الاتّحاد الأوروبي إلى أربعة أجزاء، وانتشار الفوضى في كثير من الدول، خلال العقد المقبل.

بعد أقلّ مِن خمسة أشهر صوّتَ البريطانيون على الخروج من الاتّحاد الأوروبي، وبدأت ترتفع أصوات في مختلف أنحاء الاتّحاد مطالبةً بالاستقلال عنه. وها هو الإرهاب يضرب مجدّداً في فرنسا، ومحاولة انقلاب كادت تغيّر وجه تركيا.

وفي التقرير أنّ الاتّحاد الأوروبي ظهرَ كقوّة تاريخية لا يمكن وقفُها، ولكنّه بعد عقدٍ من الآن لن يبدوَ سوى ذكرى بعيدة، وسيُقسم إلى 4 أجزاء متباعدة بعضها عن بعض، وهي:

إتّحاد دول أوروبا الغربية، إتّحاد دول أوروبا الشرقية، إتّحاد الدول الاسكندنافية، إتّحاد الجزر البريطانية.

ومِن أبرز توقّعات الوكالة الاستخبارية الأميركية، ضعفُ سلطة موسكو إلى حدّ كبير، ممّا يؤدي إلى تفتيت الاتّحاد الروسي وتفَكّك الدولة في روسيا وتحوّلِها إلى سلسلة من مناطق الحكم شبهِ الذاتي، وانتكاسة اقتصادية في ألمانيا، وانتعاش بولندا وسيطرتها على أوروبا.

وتوقّعَ التقرير أن تظلّ الولايات المتحدة القوّةَ الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبرى في العالم، ولكنّها ستكون أقلَّ انخراطاً في مشكلات العالم، وأنّ أميركا ستَستخدم جيشَها من أجل تأمين الأسلحة النووية في روسيا، لأنه سيكون هناك فراغ كبير في السلطة ومخاطر على البنية التحتية للسلاح النووي الروسي.

واعتبَر أنّ الفوضى لن تنتهي في الشرق الأوسط في المدى القريب، وأنّ تركيا ستكون المستفيد الأكبر من الأوضاع، لتصبح شريكاً لا غنى عنه للولايات المتحدة، لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.

كثيرون اطّلعوا على هذا التقرير، لكنّ القليل منهم أعاد بناءَ حساباته السياسية في ضوئه.

ها هي سوريا مقسّمة إلى ثلاث مناطق حكم ذاتي، وكذلك العراق. وكلّ قوّة تمضي في رهاناتها على سحقِ القوّة الأخرى. ومحاربة الإرهاب تدور محرّكاتها على سرعة السلحفاة لاستنزاف الجميع وإضعافهم وفرضِ الحلول عليهم حين تدقّ الساعة.

وها هو وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعود من موسكو خاليَ الوفاض بعدما امتنعَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عقدِ صفقة تكتيكية مع رئيس لم يبقَ له أكثر من ستّة أشهر في البيت الأبيض.

طرَح كيري إنشاءَ مجموعة مشتركة للاستخبارات بين الروس والأميركيين تتشارك المعلومات حول «جبهة النصرة»، وتنسّق ضربات عسكرية ضد «داعش»، في مقابل وقفِ الغارات الجوّية على المعارضة السورية المعتدلة المدعومة من أميركا.

لكنّ روسيا لديها أهداف أبعد من سوريا والشرق الأوسط. إنّها تسعى إلى تنازلات في أوكرانيا، وفي العقوبات الغربية عليها، وإلى الحدّ مِن تحرّكات حلف الناتو العسكرية في محيطها. ولذلك استدعى الأميركيون والروس ممثّليهم في الملف الأوكراني، مساعدَ وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند ومستشارَ الرئيس بوتين فلاديسلاف سوركوف، إلى الاجتماع، مع أنّه كان مخصّصاً للبحث في الشأن السوري.

وكان لافتاً الخروج المتكرّر لكيري من الاجتماع إلى الحديقة لإجراء اتّصالات هاتفية يرجَّح أنّها مع الرئيس باراك أوباما، بعيداً عن السمع.

المنطقة حبلى بالمفآجات. وإذا كانت روسيا والقوى الإقليمية ستنتظر الإدارة الأميركية الجديدة لتتفاوضَ معها على الملفّات العالقة، إلّا أنّ الإرهاب لن ينتظر لكي يواصل ضرباته.