Site icon IMLebanon

المقاصد تُنادي.. فمن يبادر دولة الرئيس أم سماحة المفتي؟

 

لا ندري إذا كانت السجالات الدائرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي المعنية بالشؤون البيروتية, تفيد في التوصل إلى الحلول المنشودة, لإخراج المؤسسة التربوية التاريخية الأولى للمسلمين, من أزمتها المتفاقمة حالياً.

لا داعي للتذكير بأن جمعية المقاصد هي أكبر من مؤسسة اجتماعية تدير مجموعة من المدارس والمستشفيات, لأنها في واقع الأمر تمثل ركناً أساسياً من أركان الطائفة السنية في لبنان, وهي إضافة إلى ذلك لها دور تاريخي, وطني وقومي, مشهود بمواقفه الواضحة والحاسمة, في مسيرة النضال الاستقلالي في لبنان, وفي تأييد ودعم حركات التحرّر العربي, ومناصرة القضية الفلسطينية مادياً ومعنوياً, من جيل إلى جيل!

لذلك ليس من السهولة بمكان الحديث عن إفلاس المقاصد بمثل هذه البساطة, وكأن الكلام يخص شركة أو مؤسسة توظف عشرات الأشخاص فقط !

لا شك أن هذه المؤسسة العريقة, والتي سبقت, عند تأسيسها، عصرها بعشرات السنوات, تعاني في العقدين الأخيرين من سلسلة من الأزمات المالية, وتداعياتها الإدارية, بسبب تراجع الموارد المالية, الداخلية والعربية, وخاصة من المملكة العربية السعودية, وذلك لألف سبب وسبب, لا مجال للخوض في تفاصيلها في هذه العجالة, ولكن في المقابل, كان ثمّة تقصير فاضح من مجتمعنا في مد يد العون والدعم لوقف الانحدار المالي الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت اليه من إقفال متتابع للمدارس, التي سبق لها وأدّت أسمى الخدمات للمجتمع الإسلامي, ليس في بيروت فقط , بل في العديد من المناطق والقرى الإسلامية.

وفيما كانت التبرّعات السخيّة تنهال على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الأخرى, القديم منها والحديث, كانت أزمة المقاصد المالية تستفحل يوماً بعد يوم, بسبب الاعتقاد الذي كان رائجاً في أوساط الفئات القادرة على التبرّع, بأن المقاصد لديها مصادرها الخليجية, وهي تؤمّن لها الاكتفاء المالي, وتغطي العجز الدائم في ميزانيات المدارس التي تتقاضى عادة أقساطاً رمزية, وتتلقى من وزارة التربية مساهمات مالية محدودة مقابل خدمات المدارس شبه المجانية, وهي تكاد لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

ومما زاد الأمور المالية تدهوراً, أن الجمعية خسرت أكثر من تسعين بالمئة من موارد إيجارات عقاراتها في الوسط التجاري بعد الحرب, وكانت تلك الموارد تشكل جزءاً مهماً, ليس لتغطية العجز المالي وحسب, بل وأيضاً في تشكيل الاحتياط الدائم في مالية الجمعية.

ولم يعد سراً أن المقاصد باعت معظم أسهمها في سوليدير, والتي كانت قد حصلت عليها مقابل أملاكها العديدة والمهمة في أسواق بيروت, وكان الهدف من عمليات البيع المتتابعة تغطية العجز المستمر في تأمين الرواتب الشهرية للمعلمين والموظفين, رغم سياسة شدّ الأحزمة والتقشّف التي أتبعتها الإدارة العامة.

وما يُقال عن العجز في رواتب المعلمين والنفقات العامة للجمعية, يمكن أن يُقال مثله وأكثر عن العجز المتمادي في ميزانية مستشفى المقاصد, والذي تسبب في تقليص التقديمات شبه المجانية للمرضى المستحقين من جهة, وتراجع بعض الخدمات, نتيجة عدم القدرة على تجديد العديد من المعدات, التي استهلك معظمها, وأصبح العديد منها غير صالح للخدمة.

الواقع أن الحديث عن الواقع الحالي للمقاصد يطول ويطول ويطول.. وهو كثير التشعّب والتعقيد, ولكن ما يهمنا هنا ليس الاسترسال في وصف معاناة واقع مؤلم, من لم يكن مطلعاً عليه كله, فهو يعرف جُلّه على الأقل, ولا وقت للتلهي أو التشفي في كلام عن أخطاء, والغوص في متاهات الماضي, القريب منه أو البعيد, بل لا بد من التفكير والبحث الجدّيين عن سبل الإنقاذ الفعلي لمؤسسة أساسية وضرورية لمجتمعنا, والتي إذا فقدناها, لا سمح الله, نكون فقدنا أحد الأعمدة الأساسية للطائفة الكبرى في لبنان.

إن إنقاذ جمعية المقاصد ليس مهمة الإدارة الجديدة القديمة, وكان الله في عون رئيسها الجديد, بل هو مسؤولية المراجع السياسية والدينية للطائفة السنيّة, والتي عليها أن تتداعى لعقد مؤتمر إسلامي شامل للبحث في سبل الإنقاذ, ومناقشة خطة عمل الإدارة الجديدة, إذا كانت قد سارعت, فعلاً, إلى وضع خطة للعمل المطلوب لاستعادة عافية هذه المؤسسة الأصيلة والعريقة!

المقاصد تُنادي كل واحد منا للإنقاذ!

فمن يُبادر إلى عقد المؤتمر الإنقاذي: دولة الرئيس.. أم صاحب السماحة؟