فاضت الكأس بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والعهد وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والعهد، وبقي الصامد الوحيد الرئيس سعد الحريري، الذي على ما يبدو يراد استنفاد صموده، حتى الثمالة.
لم يكن البيان الذي اصدره الحريري رداً على خطاب الوزير جبران باسيل في الجامعة العربية سوى محاولة استلحاق تفرّد وزير الخارجية بإعلان موقف لبنان المطالب بعودة سوريا، من دون تشاور أو قرار من مجلس الوزراء، لكن باسيل عاجله في اليوم نفسه، بقرار زيارته دمشق وكأنه يقول له إنّ ما كتب في لقائه مع السيد حسن نصرالله قد كتب، وإنّ أمامه خيارين: القبول أو القبول بهذه الزيارة، ولا خيار ثالثاً.
ويبدو أنّ باسيل قد كسب الرهان جزئياً، اذ ترك رئيس الحكومة الحرية لباسيل أن يزور دمشق على مسؤوليته، وترك له أن يأتي بالنتائج، فإذا اتى بها يكون قد أسكت جميع منتقديه، أما اذا فشل فستكون المسؤولية عليه وحده.
لم تكن بوادر زيارة دمشق مخفية، فقد تناهى الى أكثر من جهة سياسية أنّ زيارة باسيل الى دمشق باتت قريبة، وعندما طرح الوزير محمد فنيش استعادة العلاقة مع النظام في الحكومة، تصدى له وزراء «القوات اللبنانية» والحزب الاشتراكي، أما الرئيس الحريري فحاول إبقاء الأمر داخل جدران الحكومة، لكن هؤلاء سرّبوا ما حصل للإعلام.
تمر علاقة الرئيس عون بالرئيس الحريري بمنعطف كبير، فالعهد يعتقد انه ما زال بالامكان سحب مكاسب من الرئيس الحريري، لقاء استمرار التسوية، وقد شهدت ازمة قبرشمون أكثر من مناورة في هذا الاطار.
في عزّ الازمة كان رئيس الحكومة، قد قطع وعداً لوليد جنبلاط بأن يبقى على موقفه، ولو طالت الازمة، وقال: «يوم يومين سنة سنتين، خليك عموقفك». لكن مع امتداد الازمة، بدأ هذا الالتزام يضعف شيئاً فشيئاً، الى أن فوجئ جنبلاط قبل مصالحة بعبدا بأنّ الحريري ابرم وهو في الخارج اتفاقاً مع عون من دون علمه، واتى الى لبنان، وصعد الى بعبدا، وأعلن الاتفاق من دون رضى جنبلاط، وكان ما كان يومها، حيث دخل الرئيس بري على الخط وانجز المصالحة المتوازنة.
لاحقاً تناهى الى الكثيرين، ما قام به العهد في ازمة قبرشمون، اذ التقى النائب فؤاد مخزومي الرئيس عون بطلب منه كي يحضّر نفسه لتسميته رئيساً مكلفاً للحكومة، اذا ما اسقطت باستقالة 11 وزيراً. المفارقة أنّ مخزومي امتنع وأقنع عون أنه ليس هناك من مصلحة الآن، إلا أن يكمل الرئيس الحريري على رأس الحكومة، كونه حسب مخزومي، منسجماً مع المرحلة وتحديداً مع «حزب الله»، وفهم من كلام مخزومي أنه لا يريد ان يتسلم كرة النار الاقتصادية.
كانت تلك الخطوة الرئاسية من ادوات الضغط على الحريري، فهي وصلت بالبريد السريع الى من يهمهم الأمر، لكن المناورة لم تسقط فقط بسبب تحفظ مخزومي، بل بسبب رفض «حزب الله» (آنذاك) اللعب بورقة الحكومة، وهكذا فعل الحزب بالأمس عندما دعا باسيل الى العض على جرح سحب مشاريع قوانين المتن من مجلس النواب، فسحبها باسيل من التداول، وعوضاً عن ذلك طرح على الطاولة استعادة العلاقة مع النظام السوري والتحدث باسمه في الجامعة العربية، أي أنه استبدل «المفرّق» «بالجملة»، بناءً على طلب «حزب الله»، وتحضيراً للمعركة الرئاسية المقبلة.
لا تخفي كل من أوساط «القوات» والاشتراكي عتبها على الرئيس الحريري، الذي وحده كرئيس للحكومة يمكن أن يعدّل التوازن الذي افتقدته التسوية، فمن دون أن يعلن موقفاً لا يمكن لـ«القوات» او للاشتراكي أن يخوضا أي مواجهة لتصحيح الوضع منفردين، ويأمل الطرفان ان يكون «انقلاب» باسيل على التسوية، حافزاً لتصحيح التوازن المفقود داخل الحكومة، والا فإن ما كان يسمى تسوية، سيتحول الى تسليم كامل للبلد وقراره في يد «حزب الله» وحلفائه.