IMLebanon

معارك المالكي تعمّق الانقسام الشيعي

تنزلق قوى الاسلام السياسي الشيعي في العراق من الخلاف البيني على التفاصيل الى صراع يؤسس لمعادلات جديدة في التحالف الوطني الحاكم تزيد من تعقيدات المشهد العراقي المثقل بتراكمات ما بعد سقوط النظام السابق واحتلال البلاد.

التفاعلات التي اعقبت الاعلان عن قائمة التغيير الحكومي عبرت عن نقلة من سجالات يجري معظمها وراء ابواب مغلقة الى اصطفافات فئوية تتضح ملامحها بمواقف معلنة، ومع الانتقال بين ما كان يرشح من خلاف يثير تكهنات الشارع العراقي وبدايات بلورة فرز سياسي قائم على المصالح الفئوية بات من الممكن التفكير في احتمالات ظهور تقاطعات وخرائط مختلفة عن ما كان موجودا قبل بدء محاولة الاطاحة برئيس البرلمان والملابسات التي رافقتها، وقد يكون نوري المالكي القطب الاكثر اثارة للاهتمام حين يجري الحديث عن ملامح الفرز السياسي الجديد في البيت الشيعي.

تفاقم ازمة التحالف الوطني الحاكم التي باتت واحدا من ابرز محاور الازمة العراقية المركبة تكرس المالكي باعتباره الشخصية الشيعية الاقدر على المناورة والاحتفاظ بالحضور السياسي رغم مغادرته سدة الحكم بعد ولايتين ساهمتا في تعميق الشرخ بين المكونات الطائفية العراقية وايصال البلاد الى حافة الانهيار الاقتصادي.

في قوة حضور المالكي المستمد معظمها من النفوذ الإيراني في البلاد ما يفسر قلق الاوساط السياسية العراقية. بما في ذلك اطراف التحالف الشيعي وان كان بنسب متفاوتة. من محاولته احداث تغييرات تخضع السلطة التشريعية لحساباته او وصفه لفوضى مجلس النواب بالحراك السياسي الناضج ومقارنة عبارة بهذا المعنى كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي بمعارضته السابقة للاعتصامات التي نظّمها مقتدى الصدر على ابواب المنطقة الخضراء.

ولا يستحق الامر كثيراً من التفكير للوصول الى ان تباينات موقف المالكي جاءت بفعل اختلاف الاغراض والتكتيكات بين تظاهرات الصدريين التي حاول في وقت لاحق حرفها عن سياقاتها وانفجار الموقف في البرلمان.

جوهر الاختلاف المؤثر في موقف رئيس الحكومة السابق يكمن في ان التحرك الصدري جاء في اطار حملات داعية للقضاء على الفساد وتخليص التركيبة الحكومية من بعدها الطائفي في الوقت الذي هدفت احداث البرلمان للاطاحة بمشروع العبادي من خلال شل السلطة التشريعية.

ارتياح المالكي المعلن للنفق الذي دخله البرلمان مع تسارع خطوات محاولة الاطاحة بسليم الجبوري، ومثابرة رئيس الحكومة السابق على فرض رئيس بديل للسلطة التشريعية قرب الاول من الشبهات المحيطة بالازمة، لا سيما وان لديه العديد من اسباب التورط في اثارة الازمات السابقة واللاحقة، بدءا من رغبته في العودة للسلطة ومرورا بقلقه من تداعيات دعوات المطالبة بمحاربة الفساد ومحاسبة المتسببين فيه.

موقف المجلس الاسلامي الاعلى الذي يتزعمه عمار الحكيم لا يبتعد كثيرا عن ما ينادي به المالكي وان اختلفت التكتيكات المبنية على دوافعه التي تتلخص في رفض اختيار رئيس الحكومه لطاقمه بعيدا عن تنسيبات الكتل السياسية مما يعني الابقاء على صيغة المحاصصة الطائفية.

التقاء الحكيم مع المالكي عند محاولة وضع العصي في دواليب مشروع العبادي لا يقلل من التباينات الواسعة وخلافات الطرفين الناجم بعضها عن قناعة رئيس المجلس الاسلامي الاعلى بحق حزبه في تشكيل الحكومة.

حسابات منظمة بدر التي بادر نوابها للانسحاب من التجمع النيابي المناوئ لرئيس السلطة التشريعية اختلفت في تفاصيلها عن معطيات موقفي المالكي والحكيم حيث رأى رئيسها هادي العامري في الانغماس بأزمة البرلمان اشغال عن دور الحشد الشعبي الذي يتزعمه في الحرب على داعش وبالتالي خسارة بعض ثقله في المعادلة العراقية الراهنة.

اللافت للنظر ان الاختلاف جاء هذه المرة في سياق ترتيب الاولويات حيث يرى المالكي والحكيم اولويتهما في اعاقة تشكيل حكومة التكنوقرات واقالة العبادي ان امكن في ما يضع العامري تركيز الضوء على الصراع مع داعش وتوسيع دور الحشد في المواجهة على رأس اولوياته.

اقتصار الامر على ترتيب الاولويات لا يقلل من اهمية تعارضات حركة قوى التحالف الوطني الشيعي التي وصلت في بعض حالاتها الى التنافر حيث كانت مبادرة العامري لسحب كتلته من التجمع النيابي المناوئ للجبوري اقرب الى التجديف عكس اتجاه التيار فيما اظهر اعتراض الكتلة وكتل شيعية اخرى على تنصيب عدنان الجنابي بديلا للجبوري رفضا لهيمنة المالكي على القرار الشيعي وفرض رؤيته على شركائه. 

هلامية الموقف الذي يتخذه التيار الصدري ابقته قابلا للتوظيف الجزئي حيث استفاد منه المالكي والحكيم في التحريض على العبادي ومحاصرته، لكن حرب البيانات التي اندلعت بين التيار الصدري وحزب الدعوة – بعد توافق عابر اعقب غموض اعترى العلاقة بين الطرفين اثر وساطة حزب الله اللبناني- فتحت مجالا امام عدد من الاحتمالات ابرزها ان الصدريين تعرضوا لخديعة ما في بيروت تم توظيفهم على اثرها في اجندة المالكي او انهم التقطوا خيط التوافق الأميركي – الإيراني بعد تيقنهم من عبثية محاولة «لبننة» الاداء السياسي العراقي، في الوقت الذي تستند متغيرات موقف العامري الى قناعة بان تظاهرات المنطقة الخضراء اختطفت قدرا كبيرا من الاضواء التي كانت مركزة على محاربة داعش مما يعني انه التقط خيط التوافق الأميركي ـ الإيراني مبكرا وقد يكون ذلك ناجما عن اطلاعه على المخفي عن بقية شركائه في التحالف الوطني.

الواضح من خلال الاحداث التي تجري في البرلمان العراقي وتهدد بانهيار ما تبقى في العملية السياسية رغبة نوري المالكي في تصدير ازماته باذكاء الصراع بين سنة وشيعة ما تبقى من العملية السياسية، الامر الذي وجد تجاوبا لدى بعض اوساط النواب السنة التي رأت في محاولة الاطاحة برئيس البرلمان استهدافا طائفيا يستحق التحشيد والمواجهة، وفي مثل هذه التطورات اعادة انتاج للاستقطاب الطائفي، لذلك استدعت التهدئة حسب التفاهمات الأميركية ـ الإيرانية المبطنة الابقاء على المحاصصة باعتبارها خيارا مطلوبا لضمان مشاركة جميع المكونات في السلطة وتعويم خلافات قوى الاسلام السياسي الشيعي الآخذة في الاتساع وازالة العقبات التي تعترض الاصلاحات التي يعمل حيدر العبادي على انجازها ويجري التعامل معها باعتبارها مخرجا من المأزق السياسي والاقتصادي الذي وصلت اليه البلاد، لكن ذلك لا يعني الاقتراب من نهاية قوس الازمات بقدر ما هو انتقال ادارتها من مربع الى آخر وسط متغيرات تنذر بزيادة صعوبة ضبط ايقاعات المراحل المقبلة.

() كاتب من الاردن