يكفي أن يكون هناك تدخل سياسي في ملف اكاديمي، ليحدث فجوة سلبية في بنيانه كله. نتحدث هنا عن تعيين المديرين في فروع كليات الجامعة اللبنانية، وفي الملف أسماء مشهود لها اكاديمياً وردت في التعيينات، وأسماء أخرى تفرضها مرجعيات سياسية من بين اللوائح المقترحة في مجالس الوحدات، وإن كان القرار النهائي هو لرئيس الجامعة. فقبل الحديث عن إنجازات ينبغي الإعتراف بأن هناك تدخلات سياسية مباشرة في التعيينات وفي غيرها من ملفات الجامعة تحصل يومياً، ولا تقتصر على فرض إسم من هنا أو هناك، انما تتدخل في قضايا الجامعة الداخلية وتأسرها بخيارات ليست أكاديمية. والإعتراف بالتدخلات مدخل للشروع في إعادة تقويم العمل الأكاديمي وتسيير شؤون الجامعة قانونياً، خصوصاً وأن مجلس الجامعة بات شبه مكتمل، وهو القادر على العبور بالمؤسسة وإنهاض مكوناتها ومعالجة الثغر ومواجهة المخالفات، ليتمكن في ما بعد من تعزيز استقلاليتها وفق القوانين.
وليست تعيينات المديرين منفصلة عن شؤون الجامعة الأخرى، بل هي مفصل أساسي في الحياة الجامعية، ومؤشر على مدى الالتزام بالقانون والتقيد بموجباته، ومن هذا التعيين تدار الفروع بمستويات أكاديمية، تكون ذات قيمة أو تأخذ الفروع الى ممارسات غير أكاديمية يغلب عليها الواقعان السياسي والطائفي وتنعكس على التعليم بكل مستوياته. ولذلك، كان جزء من التعيينات، وإن كانت المرحلة الأولى منها أي في الفروع تقوم على الانتخاب، سياسياً، أولا بفرض أسماء معدة سلفاً للمواقع، ثم بالاتفاق مع القوى السياسية التي لها وجود وثقل أساسيان في الفروع على اختيار أسماء متفق عليها سلفاً من دون الأخذ في الاعتبار التقويم الأكاديمي، وممارسات مديرين كانوا بالتكليف سابقاً.
اختار رئيس الجامعة أسماء مديرين لبعض الفروع بالتشاور مع عمداء، مشهود لهم بالكفاءة، لكن تعيينات كثيرة حصلت بإملاء سياسي وحزبي. فكيف يعين مدير مثلاً لا تقويم جدياً لبحوثه؟ الا لأنه مفروض من جهات سياسية معينة بالاتفاق مع قوى سياسية أخرى، وفق تبادل المواقع وتوزيعها على قاعدة المحاصصة؟، وكيف يتم تسيير شؤون الفرع أكاديمياً من مدير ولاؤه سياسي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون لجامعته التي تحتضنه وهو استاذ فيها؟ هي مفارقة أن يكون لدينا أساتذة تركوا بصمات إيجابية في كلياتهم، فيستبعدون من التعيينات، علماً أن بعض الأحزاب أعطت الجامعة ورئيسها خيار تسمية الاسم من دون التدخل، رغم أنها تفضل أسماء على أخرى.
سيقال ان الكلام عن اختيار المديرين تدخل في أمور الجامعة، لكن قبل ذلك يجب الإعتراف بالتدخل السياسي الذي يمنعها من التقدم ومن ممارسة دورها الأكاديمي والاجتماعي. والأهم الإعتراف أيضاً بالمشكلات لمواجهتها، كما يحصل في كل جامعات العالم. والكلام للمديرين، ماذا بعد تعيينكم؟.